سنة 2025.. الأزمة بين الجزائر وفرنسا كما عشناها

سنة 2025.. الأزمة بين الجزائر وفرنسا كما عشناها
سنة 2025.. الأزمة بين الجزائر وفرنسا كما عشناها

أفريقيا برس – الجزائر. عرفت سنة 2025 استمرارا للأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، وهذا على خلفية اعتراف باريس، شهر جويلية 2024، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

ودخل البلدان في أزمة فجرت معها تراكمات قديمة تجاوزت الدبلوماسية إلى الإعلام، والخطاب السياسي، والجالية الجزائرية في فرنسا، إضافة إلى الذاكرة الاستعمارية.

ملخص الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وباريس

دبلوماسيا، بلغ التوتر أوجه شهر أفريل، مع استدعاء السفير الجزائري من باريس منذ 2024، ثم طرد الجزائر 12 موظفا دبلوماسيا فرنسيا عقب اعتقال السلطات الفرنسية لموظف قنصلي جزائري في فرنسا دون إخطار دبلوماسي، وفي انتهاك للحصانة الدبلوماسية، لترد باريس باستدعاء سفيرها وطرد دبلوماسيين جزائريين.

“هذه أزمة خطيرة، تختلف عن سابقاتها، لأنها ستترك ندوبا”. هكذا وصف الكاتب والوزير الفرنسي السابق، ذي الأصول الجزائرية، عزوز بقاق، الأزمة بين الجزائر وباريس.

ومع الحكم على الكاتب الفرنكو-جزائري، بوعلام صنصال، بخمس سنوات سجنا وغرامة مالية في مارس 2025، على خلفية تصريحاته حول حدود الجزائر في القناة الإلكترونية اليمينية المتطرفة “فرونتيير” والتي كان عضوا في لجنتها الاستراتيجية، استغلت بعض الأصوات هذا الملف للتهجم على الجزائر بدعوى الدفاع عن المعتقل، وهذا قبل أن تفرج عنه السلطات الجزائرية في نوفمبر 2025 بعفو من الرئيس تبون، بعد طلب من نظيره الألماني.

إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي تطرقه إلى ملف صنصال في كلمة له جانفي 2025، قال إن الكاتب مريض جدا، ومدعيا أن الجزائر تمنعه من العلاج بإبقائه في السجن، فإن المعني دحض هذه الاتهامات، على القنوات الفرنسية، فور إطلاق سراحه والتحاقه بباريس عبر ألمانيا، حيث شكر الأطقم الطبية الجزائرية التي اعتنت به وعالجته بكل “مهنية”.

في فرنسا، لم تقتصر أطراف الأزمة على الرئيس ماكرون وعلى وزارة الخارجية، بل تجاوزتهما إلى وزير الداخلية اليميني الشعبوي، برونو ريتايو، الذي أصبح أقرب إلى اليمين المتطرف، إذ استخدم لهجة تصعيدية وعدائية ضد الجزائر، وهو ما قابلته محاولات تهدئة خجولة من رئيس الوزراء، فرانسوا بايرو، ما وضع السلطة الفرنسية في تناقض.

وهو الوضع الذي علق عليه الوزير الفرنسي السابق بقاق قائلا: “ما نعيشه ليس خلافا تقنيا حول التصاريح القنصلية، بل تصعيد سياسي يغذيه خطاب عدائي داخل السلطة الفرنسية نفسها”، لافتا إلى أن “فرانسوا بايرو رفض التصعيد، بينما يتبنى برونو ريتايو خطابا عدائيا يتهم الجزائر بمحاولة ‘إذلال’ فرنسا”.

رئيس الجمعية الفرنسية المناهضة للعنصرية “أس أو أس راسيزم”، دومينيك سوپو، من جانبه، علق على الأزمة بين البلدين على أنها ليست حادثا دبلوماسيا معزولا، “بل لحظة انفجار لتراكم طويل من التوترات السياسية والرمزية، في علاقة لم تحسم بعد مع التاريخ الاستعماري”، كما نبه من أن الأزمة تعيد إنتاج الأحقاد الاستعمارية في الخطاب السياسي والإعلامي الفرنسي.

ففي الوقت الذي تصر فيه الجزائر على ضرورة أن تكون العلاقة بين البلدين علاقة ندية قائمة على الاحترام المتبادل، لا تزال بعض الأصوات في فرنسا تنظر إلى الجزائر وكأنها لا تزال مستعمرة فرنسية، وبالتالي تريد فرض وصايتها على الشأن الداخلي الجزائري.

هكذا ساهم الإعلام الفرنسي في صناعة الأزمة!

وساهم الإعلام الفرنسي المهيمن، وبالتحديد الإمبراطورية السياسية-الإعلامية لصاحبها الملياردير فانسان بولوري، والإعلام المحسوب على اليمين المتطرف وحتى المحافظ، في صناعة هذه الأزمة الدبلوماسية بين البلدين وتوجيهها بدل الاكتفاء بتغطيتها. فحولت وسائل الإعلام الفرنسية هذه الجزائر إلى موضوع داخلي انتخابي، أما هي فتحولت إلى غرفة صدى للأحقاد الاستعمارية.

ويعرف اليمين المتطرف الفرنسي، بوجوهه وخطابه، تطبيعا في وسائل الإعلام الفرنسية المهيمنة خلال هذه الفترة.

“ما نشهده هو اجترار لا متناه لثقافات الكولونيالية والعنصرية التي لا تزال حاضرة بقوة داخل نخب الوسط واليمين واليمين المتطرف”، يقول لنا الصحفي والكاتب المقيم في باريس، فارس لونيس.

كما عمل هذا الإعلام، الذي منح منابره للشخصيات الدونكيشوتية، على إسكات ومحاربة كل الأصوات النقدية، وعلى صناعة فزاعة للمهاجر الجزائري الذي يقدمه على أنه خطر على أمن فرنسا وهويتها.

في 8 أوت 2025، أطلقت الوزيرة وعضو المجلس الدستوري سابقا، نوال لونوار، وكانت تترأس آنذاك لجنة الدعم للكاتب بوعلام صنصال، تصريحات لا يمكن وصفها إلا بأنها خطاب كراهية وعنصرية ضد الجزائريين.

فقالت لونوار خلال تدخلها على قناة “سي نيوز” إنه في فرنسا “يوجد ملايين الجزائريين الذين يشكلون خطرا كبيرا، ويمكنهم إخراج سكين في المترو، أو في محطة قطار، أو في الشارع، أو في أي مكان، أو قيادة سيارة والاصطدام بحشد من الناس. لا، من المبالغ فيه أن نبقيهم هنا ستة أو سبعة أشهر قبل ترحيلهم، لأنهم لا فائدة لهم في بلدنا، إضافة إلى أنهم يهددوننا.”

وهو ما أشار إليه فارس لونيس قائلا إن وسائل الإعلام المهيمنة في فرنسا “تستبدل القضايا الاجتماعية والديمقراطية بأحداث معزولة (faits divers) لإيهام المواطن بأن الحرب الأهلية على الأبواب”.

اليمين المتطرف واستغلال الأزمة

واستغل اليمين المتطرف هذه الأزمة كمطية للرئاسيات الفرنسية في 2027. ففي ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وأزمة الشرعية السياسية التي تعرفها فرنسا، يعود ذلك الخطاب المعادي للجزائر، الذي يجد جذوره في المرحلة الاستعمارية.

فاليمين المتطرف، وكما يصفه المؤرخ فابريس ريسيبوتي، هو “الثمرة السياسية المسمومة للاستعمار الفرنسي في الجزائر”.

تقول لنا المنتخبة عن حزب “فرنسا الأبية” ورئيسة جمعية “الاتحاد الفرنسي الجزائري للتضامن والتجديد”، كريمة ختيم، إنه في فرنسا “تاريخ طويل من استغلال ‘الجزائر-فوبيا’ كوقود انتخابي، واستخدام قضايا إجرامية معزولة لتعميمها على مجتمع بأكمله”.

وتحولت المطالبة بإلغاء الاتفاقيات الموقعة بين الجزائر وفرنسا حول الهجرة عام 1968، بدعوى أنها تمنح امتيازات مزعومة للمهاجرين الجزائريين، إلى أحد أبرز المواضيع التي خاض اليمين واليمين المتطرف في فرنسا حملة من أجلها.

وكانت الجزائر قد ردت على تعليق من رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، حول مراجعة الاتفاقية، محذرة من أن أي تغيير في هذه الاتفاقية من جانب واحد سيستدعي إلغاء اتفاقيات وبروتوكولات أخرى مماثلة ردا بالمثل.

في جوان 2025، سحب النائب إيريك سيوتي مقترح قرار حزبه الصغير لإلغاء الاتفاقيات في آخر لحظة، بعد أن كان مقررا مناقشة المقترح يوم 26 جوان، خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية.

لكن هذا المقترح الداعي إلى “إدانة” الاتفاق الفرنسي الجزائري لعام 1968 سرعان ما عاد إلى قبة البرلمان الفرنسي في حقيبة حزب مارين لوبان، التجمع الوطني، والذي صادق عليه النواب الفرنسيون بفارق صوت واحد، في 30 أكتوبر 2025، وذلك في خطوة رمزية لا تحمل طابعا تشريعيا.

هذه الحمى التي أصابت فرنسا مع هذه الأزمة بين الجزائر وباريس، حولت ليس فقط الجالية الجزائرية بفرنسا، بل حتى الفرانكو-جزائريين المقيمين في فرنسا، إلى مستهدفين.

“الجزائري متهم يوميا ويستخدم ككبش فداء، ضحية للشعبوية السياسية والإعلامية الاستبدادية”، تقول لنا كريمة ختيم، مشيرة إلى أن “الجالية الجزائرية هي الحبل السري الذي يضمن الجسرية بين البلدين، لكنها تعامل كطابور خامس”.

كما تلفت ختيم إلى أن أي صوت معتدل أو نقدي من الفرانكو-جزائريين يشيطن ويقصى، خاصة إذا تمسك بذاكرة استعمارية غير منقوصة.

العودة القوية للذاكرة الاستعمارية

ومع هذه الأزمة، عادت الذاكرة الاستعمارية بقوة. فإذا اختتم هذا العام في الجزائر بمصادقة المجلس الشعبي الوطني بالإجماع، في 24 ديسمبر الماضي، على مشروع القانون الذي يجرم الاستعمار الفرنسي للجزائر من 1830 إلى 1962، واصفا إياه بأنه “جريمة دولة”، فقد عرف النقاش العام في فرنسا كذلك فتح عديد الملفات المرتبطة بالتاريخ الاستعماري.

وهو القانون الذي لم يرق لباريس ووصفته بـ”العدائي”، هي التي صادق برلمانها في 23 فيفري 2005 على قانون لم يتم إلغاؤه إلى غاية اليوم، يرسي تفسيرا رسميا كاذبا ومبررا للماضي الاستعماري لفرنسا.

فتناول المؤرخون والإعلام ملفات استخدام فرنسا للأسلحة الكيميائية في الجزائر، وممارسة التعذيب والاختفاء القسري، ومجازر 8 ماي 1945، وغيرها.

وإذا كان إيمانويل ماكرون قد صرح في فيفري 2017 بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر “جريمة ضد الإنسانية، إنها وحشية حقيقية”، قبل أن يضيف “إنه جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه، مع تقديم اعتذارنا لمن ارتكبنا بحقهم هذه الأفعال”.

اليوم، وبعد ثماني سنوات، ومع قرب انتهاء عهدتيه الانتخابيتين، لم يصدر الرئيس الفرنسي أي اعتراف أو اعتذار رسمي، تاركا الدولة الفرنسية غارقة في صمت مدو يعكس مقاومة قوية في فرنسا للاعتراف بحقيقة الاستعمار الذي مارسته في الجزائر.

المصدر: الشروق

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here