عام على أزمة الجزائر وفرنسا.. خلاف ظاهر ومصالح خفية

5
عام على أزمة الجزائر وفرنسا.. خلاف ظاهر ومصالح خفية
عام على أزمة الجزائر وفرنسا.. خلاف ظاهر ومصالح خفية

أفريقيا برس – الجزائر. دخلت الأزمة الجزائرية- الفرنسية، عامها الثاني، دون وجود أي أفق لتطبيع علاقات طبعها التذبذب منذ استقلال الجزائر، لكنها لم تسقط الى حافة القطيعة كما يحدث الآن، واذ تبدو الأسباب متشابكة نتيجة خلافات مستجدة، فان مصالح الخفاء التي تديرها النخب الحاكمة والنافذة، وجدت نفسها لأول مرة تحت ضغط يمين متطرف في فرنسا، وتيار مناهض في الجزائر، مما يجعلها أمام حتمية تفكيك الألغام، أو أن تكون الضحية الأولى لأزمة مجهولة المخارج والزمن.

تعطي الخطوات التصعيدية المتخذة من طرف الحكومة الفرنسية في التعاطي مع الأزمة القائمة مع الجزائرمنذ أكثر من عام، الانطباع بأنها مشكلتها تكمن مع نخبة معينة في النظام السياسي الجزائري، وليس مع الجزائر كدولة وشعب، ولذلك تتوجه اجراءات التشدد الى ما تسميه بـ “فئة الأعيان”، وتقصد بها الوجوه والأفراد المنتمين أو المحسوبين على السلطة.

وفي المقابل لا زال الموقف الجزائري، متمسكا بكون سبب الأزمة القائمة بين البلدين هو تيار اليمين المتطرف، وعلى رأسه وزير الداخلية برونو روتايو، مما يوحي الى وجود نوايا لعدم توسيع الأزمة لتصبح أزمة دولة مع دولة، الأمر الذي يؤكد أن العلاقة الاستثنائية بين الطرفين، وإن لفها التذبذب بسبب تراكمات تاريخية وثقافية، فان المصالح غير المعلنة تتحرك في الخفاء من أجل الحفاظ على الروابط المتبادلة.

ويرى الناشط السياسي محمد هنيش، بأن الأزمة التي طوت عامها الأول، والتي اندلعت بسبب انحياز باريس لصالح الأطروحة المغربية في قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، المطالبة بتقرير المصير للاقليم، وتطورت بعد توقيف وسجن الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال في الجزائر، تنطوي على تصفية حسابات أفقية وعمودية، وأن المصالح الضيقة والمعزولة للأفراد لها دور في الأزمة التي يسوق لأبعادها المؤسساتية.

وأضاف في تصريح، لـ “أفريقيا برس”، بأن “الفرنسيين يلعبون وورقة نخب جزائرية معينة على روابط وولاء لفرنسا، من أجل الضغط لثني الموقف الرسمي للدولة، ولذلك جاءت اجراءات تعليق العمل باتفاقية التأشيرة الديبلوماسية والمهنية، ثم التدرج في تجميد أصول جزائريين في فرنسا، وكشفت في بداية الأمر عن 18 شخصا ثم 40 شخصا، وعن احصاء 802 شخصين معنيين بالاجراء”.

وكانت تقارير اعلامية فرنسية محسوبة على تيار اليمين، قد تحدثت عن شخصيات ووجوه هم مسؤولون سامون أو من عائلات نافذة، وأشارت الى بعض الأسماء في الرئاسة الجزائرية، والمؤسسة العسكرية ووزراء وديبلوماسيون.

اليمين في فرنسا والمناهضون في الجزائر

تحدث الديبلوماسي والسفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافييه دريانكور، عن امتلاك رئيس مجلس الأمة الجزائري سابقا صالح قوجيل، شقة في العاصمة باريس، ولا يدري كيف امتلكها ما دام الدينار الجزائري عملة غير قابلة للتحويل، في تلميح الى فرضية تحويل أموال بطريقة غير شرعية من طرف شخصية يصنفها دستور البلاد كرجل ثان في الدولة.

ويرى الناشط السياسي، في تصريحه لـ “أفريقيا برس”، أن “العلاقات الجزائرية- الفرنسية، تتحكم فيها اللوبيات والأفراد النافذين وعقيدة الولاء السياسي والأيديولوجي، أكثر ما تتحكم فيها علاقات الدولة مع دولة، ولذلك تميزت بمواقف رسمية تتحكم فيها رواسب التاريخ والذاكرة المشتركة في العلن، وبنفوذ قوي تشكله المجموعات والأفراد النافذين”.

واستغرب المتحدث، عن دواعي ودلالات سكوت المؤسسات الرسمية الفرنسية، عن الممارسات غير المشروعة لنافذين جزائريين يمتهنون نهب وتهريب مقدرات الدولة الى بنوكها ومصارفها طيلة العقود الماضية، لتشهر سيف القانون والتشهير بهم الآن فقط، وهذا أمر يدل على أن السلطة الفرنسية لا تهمها مصالح الشعب الجزائرية ومساعدته على صون أمواله ومقدراته، بقدر ما يهمها استدراج هؤلاء لديها لتوظيفهم كأوراق ضغط، ضد أي محاولة لفك الارتباط بين الطرفين.

وكان كتاب “الجزائر- فرنسا: قصة حب شغوف” الصادر العام 2015، قد تناول تهريب نحو 70 مليار دولار من الجزائر الى فرنسا على مر السنوات الـ 15، قد ترجم حالة التواطؤ بين رموز المافيا المالية ووالسياسية الجزائرية مع السلطات الجزائرية لنهب أموال الدولة.

وتطرقت الصحافية ماري كريستين ثابت، التي شاركت في تأليف الكتاب، الى أسماء وأرقام مهولة للأموال المنهوبة من الجزائر نحو فرنسا، التي ظلت تتستر على النزيف، وتحافظ على ثبات النظام السياسي الهش في البلاد، رغم أصوات التغيير المرفوعة من طرف الشارع الجزائري والمعارضة السياسية.

ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأنه رغم مظاهر العداء والخصومات المتجددة بين البلدين منذ العام 1962، إلا أن النخب الموالية لفرنسا والتي استولت على السلطة وتغلغلت في مفاصل الدولة، نسجت شبكة مصالح ضيقة رهنت بها مصالح الدولة، بينما ظلت فرنسا تمثل الحامي والراعي الغربي للنظام السياسي، رغم محاولات فك الارتباط المعزولة، ولذلك شكلت سندا قويا في وجه محاولات التغيير الداخلي.

تواطؤ المؤسسات الفرنسية ولوبيات الفساد الجزائرية

ويرجع الناشط محمد هنيش، تمدد عمر الأزمة القائمة بين البلدين الى أكثر من عام، دون وجود أفق لحلحلتها ولا حتى مسعى اقليمي للتوسط بين البلدين، الى كون المسألة لم تعد بيد اللوبيات الجزائرية والمؤسسات الفرنسية المتواطئة، بعد دخول تيار اليمين في باريس، والتيار المناهض للنفوذ الفرنسي بالجزائر على خط الأزمة.

وذكر بأنه منذ التغييرات التي طرأت على الواجهتين السياسية والعسكرية في الجزائر منذ العام 2018، والفوز اللافت للتيار اليميني في فرنسا خلال الأستحقاقات الأخيرة، أخذت الخلافات طابعا سياسيا وأيديولوجيا، ولذلك تعثرت كل محاولات التطبيع، رغم الرغبة الجموحة للدوائر التقليدية في البلدين.

وتابع: “الجزائريون لا يبدون تحمسا للأزمة القائمة ولا للتهديدات التي يتم التلويح بها، لقناعة لديهم أن السلطة الفرنسية لم تفضل يوما التعامل بمبدأ ومنطق الدولة، وفضلت استقطاب لوبيات النفوذ المالي والسياسي، بدل تسوية حساباتها مع الشعب الجزائري، واذ تنقلب اليوم على هؤلاء، فذلك لا يهمهم فهم أول من أضر بالجزائر”.

وأخذت الأزمة منذ نهاية شهر جوان الماضي منعرجات اقتربت من القطيعة النهائية، وحتى الهدن غير المعلنة في الجزائر ووباريس، من أجل السماح باتخاذ خطوات تهدئة، لم تصمد أمام تشدد الطرفين الفاعلين (اليمين والمناهضون)، ورغبتهما في الذهاب الى أبعد الحدود.

وكان الوزير والديبلوماسي الجزائري السابق عبدالعزيز رحابي، قد توقع امتداد الأزمة بين البلدين الى غاية العام 2027 موعد الانتخابات الرئاسية، والتي ستكون منعطفا حاسما فيها، سواء باعادتها الى الوضع الطبيعي أو القفز بها الى الهاوية، وفق الهوية السياسية للرئيس الفرنسي القادم.

من انقلبت عليهم فرنسا هم من أضر بالجزائر

ومع محافظة الموقف الجزائري على تماسكه الرسمي، حيث تستحوذ رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية على حصرية الملف، وصعوبة صعود أصوات مخالفة في ظل التضييق الاعلامي والسياسي السائد، بما فيها ما يعرف بالتيار الفرانكفوني الموالي لفرنسا ولوبيات المال والسياسة التي تستوطن باريس، فان الخلافات طفت الى سطح المؤسسات الرسمية والشارع الفرنسي.

وفي هذا الشأن ألغي الاجتماع الوزاري الفرنسي المصغر، المخصص لمتابعة وبحث الأزمة القائمة مع الجزائر، بسبب الخلافات المستجدة بين أعضائه، ففيما يركن الرئيس ماركون ووزير خارجيته الى هدنة مؤقتة، يعمل وزير الداخلية على تأجيج الصراع، بعدما عمد الى اجراء جديد يتعلق بالحقيبة الديبلوماسية المحمية بموجب المواثيق الدولية، الأمر الذي ردت عليه بالمثل فورا، باستدعاء القائم بأعمال السفارة الى مقر وزارة الخارجية لمرتين متتاليتين، وقررت سحب بطاقات مرور الديبلوماسيين الفرنسيين الى المطارات والموانئ من أجل نفس الغرض.

وذكرت تقارير فرنسية، بأن التيار لا يمر في الآونة الأخيرة، بين الرئيس ايمانويل ماكرون، وين وزير داخليته برونو روتايو، بسبب الانتقادات التي وجهها الأخير للتيار السياسي الذي يتزعمه الرئيس ماكرون، وتأجيج الأزمة مع الجزائر، بالكشف عن تدابير جديدة، كان يفترض أن تطرح في الاجتماع المذكور.

وذكرت، بأن اللقاء الذي كان سيخصص لمناقشة عدة ملفات أمنية ودبلوماسية، ألغي بشكل مفاجئ، في حين كلف الوزير الأول فرانسوا بايرو باستقبال وزير الداخلية، للنظر في المسألة، وهو ما يوحي الى أن الرئيس ماكرون، يتفادى اللقاء بوزير داخليته.

وقالت صحيفة “لوفيغارو”، بأن السبب يعود إلى شعور ماكرون بالانزعاج من نوايا الوزير استغلال اللقاء لتصفية حساباته في ملف الجزائر، بينما قالت صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”، بأن “الانتقادات العلنية الأخيرة التي أدلى بها روتايو لم تُعجب الرئيس ماكرون”.

وقبل الاعلان عن عدم السماح للأعوان المعتمدين لدى السفارة الجزائرية، بالمرور الى المناطق المخصصة لاستلام الحقيبة الديبلوماسية، تحدثت وسائل اعلام يمينية، عن تحضير وزير الداخلية الى حزمة من الاجراءات، على غرار تجميد أصول 40 شخصية جزائرية في فرنسا، وعدم الاعتراف بجوازات السفر، التي منحتها القنصليات الجزائرية لمواطنين جزائريين في الآونة الأخيرة، فضلا عن اتخاذ اجراءات ضد شركة الخطوط الجوية الجزائرية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here