كيف اخترق شاب حراق مؤسسات الدولة في الجزائر؟

14
كيف اخترق شاب حراق مؤسسات الدولة في الجزائر؟
كيف اخترق شاب حراق مؤسسات الدولة في الجزائر؟

ناصر جابي

أفريقيا برس – الجزائر. فكرت أكثر من مرة في الكتابة حول ظاهرة انتحال الصفة المرتبطة بالنصب والاحتيال التي عرفها المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة، التي يقدم بموجبها الشخص المنتحل للصفة نفسه، في الغالب كضابط في المؤسسة العسكرية – الأمنية، أو كموظف مدني سام في مؤسسات الدولة العليا كرئاسة الجمهورية والحكومة. بعد أن أصبحت فيه هذه الظاهرة حديث الإعلام وقاعات المحاكم. لكنني عدلت عن الكتابة وقلت لنفسي إن مثل هذه الممارسات حاضرة في الكثير من المجتمعات العربية والعالم، لا يستدعي منحها اهتماما مبالغا فيه، قد لا تستحقه في نهاية الأمر، لكن ما حدث هذه الأيام جعلني أعيد النظر في موقفي هذا.

ما حصل باختصار يمكن سرده بالشكل التالي.. شاب جزائري «حراق» مقيم بين اليونان وقبرص، في مقتبل العمر 22-23 سنة، ظهر في البداية كمحلل «أمني واستراتيجي» في أكثر من قناة تلفزيونية وطنية، بما فيها القناة العمومية التي قدمته لجمهورها بهذه الصفة، لنكون بذلك أمام أول اختراق سياسي – إعلامي مهم لهذا الشاب الذي تقول المعلومات المتداولة حوله إنه قد يكون استفاد من «دعم» قدمه له رجل سياسي – زعيم حزب ومرشح سابق للرئاسيات الأخيرة، يبدو أنه كان من ضحاياه الأوائل، يكون قد أوصى به لمسؤولي هذه القنوات وصحافييها، الذين أكدوا للمرة الألف، عدم مهنية صارخة منعتهم حتى من «غوغلة» اسم هذا الخبير الدولي، الأمني والاستراتيجي للتعرف إلى أبسط المعلومات حوله وحول إنتاجه الأكاديمي المفترض وحول انتمائه المؤسساتي والعلمي، إلخ.

الأمر بالطبع لم يتوقف عند هذا الحد، بعد أن تمكن هذا الشاب من الحديث المباشر مع مسؤولين كبار، بمن فيه وزراء، وتسجيل مكالماتهم وهو يقوم بإعطائهم أوامر صارمة، كما حصل مع وزير الاتصال، الذي طلب منه معاقبة مسؤولي التلفزيون العمومي الذين ارتكبوا حماقة الإعلان عن توقيف منتحل صفة ـ هو نفسه المتحدث مع الوزير – وتسفيره للجزائر من قبل المخابرات العسكرية، التي يقدم الشاب نفسه كضابط كبير في صفوفها، علما بأن الشاب نفسه هو الذي كان في وقت سابق قد سرّب الخبر إلى مسؤولي التلفزيون عن هذا التوقيف المزعوم، وقرب تسفيره نحو الجزائر في طائرة خاصة، طالبا تغطية إعلامية للحدث! باختصار يكون هذا الشاب الذي تقول المعطيات الإعلامية حوله، إنه لم ينه تعليمه الثانوي قد اخترق التلفزيون العمومي، ومن ورائه الكثير من القنوات الخاصة ـ التي قدمته كخبير أمني واستراتيجي، لتتعامل معه كضابط سام في أحيان أخرى عبر التلفون دائما. تقول الشائعات المتداولة إنه استطاع إقناع الكثير من المسؤولين في الكثير من مؤسسات الدولة بقدرته على منحهم المناصب والمواقع والامتيازات المستحقة وغير المستحقة لهم ولأفراد عائلاتهم، بتدخل بسيط منه وبمقابل مالي يطلبه نظير خدمته هذه، يكون قد وصل إلى هذا الشاب، عبر تحويلات مالية بالعملة الصعبة، حسب المعلومات نفسها المتداولة التي قام بنشرها أحد المؤثرين الجزائريين المقيمين في الخارج. في انتظار ما ستسفر عنه التسريبات في مقبل الأيام التي تقول بعض الشائعات غير المؤكدة بصددها، إنها قد تكون صادمة للجزائريين، عندما سيعاينون مدى الاختراق الذي قام به هذا الشاب وهو يكرر جملا بسيطة من تلك التي يتداولها الخطاب السياسي والإعلامي، كانت كافية لكي يصدق أكثر من مسؤول سياسي وإداري كبير إن محدّثه على الخط، لا بد أن يكون ضابطا كبيرا، بل كبيرا جدا.

اختراق أكد عدة حقائق حول تسيير مؤسسات النظام السياسي ورجاله وعلاقاته بمواطنيه، لعل على رأسها تلك القناعة المترسخة لسيطرة العسكري والأمني منه تحديدا على المدني ـ الواجهة المعزولة التي ابتعد عنها المواطن، نفسيا وسياسيا، بشكل واضح، في وقت لم يبرح فيه النظام السياسي ومؤسساته حالة الهشاشة التي يعيشها منذ سنوات. زادت في منسوب تلك الفوضى السائدة في أساليب تجنيد نخبه السياسية والإدارية، التي اضطربت بشكل يمكن رؤيته بالعين المجردة، في المدة الأخيرة، كما بينته حالات تعيين وزراء لبعض الساعات! ووصول الكثير من المسؤولين إلى مواقع اتخاذ قرارات عليا لم يكونوا يحلمون بها كموقع الوزارة. ما زالوا غير مصدقين لها لحد الساحة، لا هم ولا محيطهم الاجتماعي والمهني القريب.. يحصل كل هذا في وقت زاد فيه انتشار الوسائط الاجتماعية واستعمال الهواتف الذكية، التي عممت بشكل غير مسبوق عمليات التحايل هذه بالابتزاز المرتبط بها، مانحة إياه صدى اجتماعيا غير مسبوق. حوادث تؤكد أزمة النظام السياسي بكل لواحقه السياسية والإدارية، كما هو حال الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، التي تعرف هي الأخرى حالة هشاشة واختراقات من قبل أفراد وشلل صغيرة العدد، يمكن أن توجه هذه المؤسسات المجتمعية لخدمة مصالحها الضيقة، في غياب المواطن عنها، لن تكون بالضرورة داعمة لاستقرار النظام السياسي الذي يبقى تحت رحمة أصحاب المصالح واللوبيات. كما ظهر ذلك في شكل مكشوف في السنوات الأخيرة لنظام بوتفليقة، وضع لم تفلت منه المؤسسة الجامعية نفسها، التي ساهمت في وقت سابق في إنتاج النخبة السياسية التي سيطر داخلها «الأستاذ الدكتور والمحلل الاستراتيجي»، الذي لم يكتب مقالة واحدة في التخصص الذي يدعيه، لكنه يستطيع الوصول إلى منصب الوزارة مباشرة من استوديوهات التلفزيونات التي تخصص في الحضور لحصصها، للكلام عن أي شيء وكل شيء، داخل نظام سياسي من سماته أن المسؤول صاحب قرار التعيين في المناصب العليا، لا يقرأ ولا يطالع، بل يشاهد ويستمع فقط، كابن بار لثقافة سمعية – بصرية غالبة، في وقت تدهورت فيه مستويات الإعلاميين، وما ينتجونه ويقدمونه من حصص وبرامج، انعكست سلبا على نوعية الحضور فيها، كما هو حال هؤلاء الخبراء والمحللين الذين سيزيدون في رداءة شروط صناعة القرار السياسي، عند التحاقهم بمواقعهم الجديدة.

وضع ليس من السهل التخلص منه، قد تكون البداية في التعامل معه – إذا صدقت النيات – الانطلاق في إنجاز تحقيق جدي حول ملابسات ما حصل فعلا، وما قام به هذا الشاب الحراق من اختراق لمؤسسات الدولة السياسية والإعلامية هذه الأيام. لعله يعيد بعض الأمل للجزائريات وللجزائريين المصدومين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here