جمال بن عبدالسلام لـ”أفريقيا برس”: أنظمة معادية تستهدف الجزائر بعد سوريا

39
أحمد بن عبدالسلام لـ
أحمد بن عبدالسلام لـ"أفريقيا برس": أنظمة معادية تستهدف الجزائر بعد سوريا

أفريقيا برس – الجزائر. استبعد رئيس حزب جبهة الجزائر الجديدة جمال بن عبدالسلام، وجود أي مقارنة أو تشابه بين الوضع في سوريا والوضع في الجزائر، وأرجع ما يتردد حول فرضية امتداد عدوى سقوط النظام، الى أنظمة ودوائر سياسية معادية لبلاده.

وأكد في مقابلة له مع “أفريقيا برس”، على أن دعمه الشخصي والحزبي للرئيس المخلوع بشار الأسد، لم يكن مسألة ذاتية، بل كان وليد قراءة لما يحدث في المنطقة العربية، والأطراف المتصارعة فيها، وأنه بعد تقييم شامل لما سمي بالربيع العربي، تم استخلاص أن ما يحدث في المنطقة لم يكن نابعا من إرادة الشعوب العربية عبر عصارة نضالات نخبها الوطنية التي توجت بحراك شعبي عام ضد الأنظمة الشمولية القادمة، وإنما هي خليط بين مخططات مخابر غربية استعمارية.

وفي شأن آخر، أرجع المتحدث، تراجع دور المؤسسات السياسية والحزبية في الجزائر، الى أربع جهات: السلطة والطبقة السياسية والنخب المثقفة ووسائل الإعلام الوطنية، كل جهة من هذه الجهات تسببت في التراجع الرهيب وفي صناعة هذا المشهد البائس.

كنتم من الشخصيات والفعاليات السياسية التي لم تتوان في دعم نظام بشار الأسد، الآن النظام السوري سقط وبشار الأسد لجأ إلى روسيا، ماذا تقولون للرأي العام السوري أولا والجزائري ثانيا والعربي ثالثا، ألا يستدعي ذلك مراجعة سياسية؟

كانت لدينا رؤية ومقاربة لما يحدث في المنطقة العربية ومن هي الأطراف المتصارعة فيها، وتقييم شامل لما سمي بالربيع العربي، الخلاصة التي وقفنا عليها أن ما يحدث في المنطقة لم يكن نابعا من إرادة الشعوب العربية عبر عصارة نضالات نخبها الوطنية التي توجت بحراك شعبي عام ضد الأنظمة الشمولية القادمة، وإنما هي خليط بين مخططات مخابر غربية استعمارية تسعى لتوظيف حالة القطيعة بين الشعوب وأنظمتها الحاكمة لتفتيت المنطقة أكثر وفرض الهيمنة الصهيو-أمريكية عليها، ونهب مقدراتها من جهة، وحالة النقمة الشعبية وبعض القوى المعارضة التي فقدت الأمل لاحداث التغيير الداخلي الذاتي والتي اقتنعت بضرورة التنسيق مع الأطراف الخارجية لإسقاط هذه الأنظمة، ولعبت بعض الأنظمة العربية دور العراب لهذا المشروع.

هذه المقاربة تركتنا نتحفظ ونتوجس خيفة مما سمي بالربيع العربي بصفة عامة، وما حدث في سوريا وليبيا واليمن بصفة خاصة لما لهذه الأنظمة الثلاث من بعض الإيجابيات، خصوصا ما تعلق بالموقف من القضية الفلسطينية ودعم المقاومة، إذن موقفنا حدده موقف الأنظمة أساسا من قضية فلسطين المحتلة دون أن نقر تلك الأنظمة الثلاث على وضعية الحريات وحقوق الإنسان في بلدانها، وهذا ما قلته للرئيس بشار الأسد. اليوم الرئيس بشار الأسد سقط ويوجد حكام جدد لدمشق وقد ورثوا أوضاعا صعبة للغاية تفرض عليهم تحديات خطيرة جدا سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، على رأسها المحافظة على وحدة سوريا وعلى استقلالية قرارها السيادي وبناء نظام سياسي يتطلع إليه الشعب السوري وإعادة الإعمار والمهجرين، واجلاء القوى الأجنبية على الأراضي السورية.

هذه التحديات وغيرها تتطلب وعيا شعبيا عاليا وتلاحم مجتمعي كبير ومصالحات وطنية عميقة، وتتطلب من الحكام الجدد لسوريا حكمة وحنكة سياسية كبيرة، وأمام هذا الكم من التعقيدات والمخاطر والتحديات أدعو كل السوريين الى الالتفاف حول وحدتهم ووطنهم والصبر والمصابرة ونسيان الأحقاد والنزاعات والالتفات للمستقبل الذي لا يصنع إلا بأياد سورية متعاضدة.

بالنسبة لنا في الجزائر، فنحن معنيون بما حدث ويحدث في منطقتنا العربية من قريب أو بعيد، فالمطلوب من الجميع شعبا ومعارضة ونخبا وموالاة وسلطة قراءة ما جرى ويجري في المنطقة قراءة صحيحة وعميقة وشاملة، وإن الحس والوعي الوطنيين الذين تحلى بهم الجزائريون لابد أن يتعزز ويتكرس، والالتفاف حول الجزائر يجب أن يتعاظم، من جهة أخرى رغم كل المجهودات والإنجازات التي قامت بها السلطة الوطنية، فإن الإحتياجات المجتمعية تبقى أكبر من المنجز، وإذ تثمن قرار رئيس الجمهورية بالذهاب للحوار الوطني فإن انخراط جميع القوى الوطنية في مجهود البناء الوطني أصبح ضروريا جدا، وذلك بالانفتاح عليها وإتاحة الفرصة للجميع.

بمجرد انهيار النظام السوري، أعادت دوائر سياسية وإعلامية الجزائر الى الواجهة، كتساؤل لمن الدور الآن، برأيكم هل هناك أوجه تشابه تجعل النظامين يواجهان نفس المصير، أم هو انتماء لنفس المدرسة السياسية والأيديولوجية، أم هناك خلفيات أخرى؟

هذه الحملة المغرضة نعرف من يحركها ولماذا يحركها، الجزائر بحكم تجربتها القاسية مع الإرهاب الهمجي وصلت إلى قناعات لدى جميع الأطراف شعبا وسلطة وجيشا أنه لا شيء يعادل نعمة الأمن والاستقرار والسلمية في أي خطوة تأتي من هذا الطرف أو ذاك، هناك إجماع جزائري أن أمن البلاد ووحدتها واستقرارها خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وهذا ما تأكد في الحراك الشعبي المبارك ولمدة سنة كاملة لم تحرق فيه عجلة مطاطية واحدة، دوت خلالها ملايين الحناجر بكلمة واحدة (جيش شعب خاوة خاوة) ولهذا نقول لنظام “المخزن” وللنظام الفرنسي ولبعض الدوائر الإعلامية الحمقاء، “ولأزلام المخزن” من بعض الخونة والعملاء الشواذ من أمثال أنور مالك وهشام عبود، خسئتم لقد فشل مسعاكم قبل أن ينطلق لأسباب معلومة أجملها فيما يلي:

لا مجال للمقارنة بين الحالة السورية وبين الجزائر ولا يمكن مقارنة حالة البلدين ونصيحتي للنظام المراكشي، أولى لك أن تنتبه لحال شعبك المقهور وأوضاع بلدك التي تتهاوى كل يوم، أما حكام باريس فالأولى لهم الالتفات للأزمة الخانقة في منظومة الحكم الفرنسية، أما الجزائر بعيدة عنكم بُعد السماء عن الأرض.

حرك سقوط النظام السوري أحزابا سياسية جزائرية وعاد الحديث عن الجبهة الداخلية، هل الارتداد الى هذا المستوى من الخوف، لذا من الذي يجب أن يخاف السلطة أم الأحزاب أم الدولة برمتها، أليست تلك إرادة الشعب السوري؟

لا اعتراض للجزائريين شعبا وأحزابا وسلطة على ما يقرره الشعب السوري في بلده وكل قلوب الجزائريين معلقة بسوريا الشقيقة، أملأ أن يروها واقفة على قدميها قوية مستقرة، وأن تتجاوز هذه الظروف الصعبة بسلاسة وأمان، أما الدعوات للحوار وتمتين الجبهة الداخلية واللحمة الوطنية فلم تتوقف يوما من هذا الطرف أو ذاك، فمنذ إقرار قانون الوئام المدني ثم المصالحة الوطنية والدعوات تتصاعد من أجل تبني الحوار كآلية معتمدة لحل المشاكل والقضايا المطروحة والمستجدة.

وزيادة وتيرة هذه الدعوات في الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع حدة التوتر وتسارع الأحداث في المنطقة وانعكاسها على كل دول المنطقة مما يقتضي بلورة موقف وطني جامع ينأى بالجزائر عن كل الانعكاسات غير المرغوب فيها، وهذه الدعوات تنم عن وعي وطني راق وتحمل المسؤولية من طرف جميع الفاعلين السياسيين في السلطة وخارجها، وهو وحده إجابة واضحة لهؤلاء الذين يروجون لأطروحة الجزائر بعد سوريا.

تراوح الموقف الرسمي الجزائري بين دعم بشار الأسد في البداية، ثم دعوة الشعب السوري الى التلاحم والحفاظ على الوحدة الوطنية، ومساهمة كل المكونات في المشهد الجديد، كرئيس حزب سياسي كيف قرأتم ذلك، وكيف تتابع الجزائر الرسمية وغير الرسمية التطورات في سوريا؟

المواقف الجزائرية من سوريا ومن غيرها لا تنطلق من الوقوف مع فلان أو علان من الناس، بل تتعامل مع الدول عبر حكوماتها القائمة، والجزائر يحكمها مبدأ ديبلوماسي عميق وهو ألا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ففي الحالة السورية التي تربطها علاقات أخوية عريقة وعميقة، ظلت هذه العلاقات وطيدة مبنية على التعاون والتضامن والعمل المشترك، وحتى باندلاع الأزمة السورية ظلت الجزائر تدعو لتغليب لغة الحوار بين السلطة والمعارضة رافضة أي تدخل خارجي في شؤون سوريا، كما دعت لعدم عزل سوريا عربيا لأن ذلك يعرضها لمزيد من التدخلات الخارجية، ولما لجأ الآلاف من السوريين إليها فتحت أحضانها للجميع ولم تصنفهم إلى معارض أوموال، بل حافظت على كرامة الجميع، ولم تترك السوريين يشحذون في الطرقات، بل أوت الجميع.

ولما حلت نكبة الزلزال بسوريا كانت أول دولة كسرت الحصار والعقوبات على الشعب السوري ووزعت المساعدات على جميع المناطق السورية دون تمييز، وكانت السباقة لدعوة جميع العرب لاحتضان سوريا كدولة، الجزائر لم تغلق سفارتها في دمشق، ومن المنطقي جدا بعد رحيل الأسد أن تستمر الجزائر في دعمها لسوريا محترمة خيارات شعبها الشقيق، وأكيد أن الجزائر ستدعو الشعب السوري الشقيق لكل ما فيه خير سوريا، وليعلم الجميع أن الجزائر هي الوحيدة التي صدحت بموقف الحق نصرة لسوريا أمام العدوان الصهيوني عليها مرافعة على سوريا عندما سكت الجميع.

تتواجد الجزائر في وضع إقليمي متوتر، وفي أزمات مختلفة، آخرها القبضة الحديدية مع فرنسا، برأيكم ما هي المقاربة الصائبة والناجعة في التعاطي مع هكذا تحولات عميقة ومتسارعة؟

نعم نحن أمام تحولات وتوترات إقليمية ودولية خطيرة ستؤدي حتما إلى تغيير كثير من خرائط الدول، وستؤدي إلى تغيير كبير في العلاقات الدولية وفي موازين القوى في العالم وفي المنطقة، ونظرا لغياب مقاربة عربية موحدة للأوضاع وغياب العمل العربي المشترك والتضامن، واهتمام كل دولة عربية بشأنها القطري فقط، وانخراط بعض الدول العربية والجوار العربي في مشروع تفكيكي للمنطقة، فإن المعول عليه بعد الله هو تلاحم الشعب الجزائري مع بعضه والتفافه حول جيشه ومؤسسات دولته وعلى رأسها مؤسسة رئاسة الجمهورية بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، ثم مواصلة ديبلوماسية الجزائر المعهودة في تخطي أعقد الأزمات والاستفزازات.

الجزائر معروفة بتوفيقها بين عدم انجرارها خلف الاستفزازات وحزمها في التعاطي مع كل محاولات المساس بسيادتها أو استقلالية قرارها أو سلامة ترابها أو أمنها القومي، أعتقد جازما أنها ستخرج من هذه التوترات التي تعصف بالمنطقة أقوى مما كانت عليه وعلى جميع الأصعدة.

وعد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في خطاب التنصيب، بفتح حوار وطني شامل، كحركة سياسية ما تعليقكم على ذلك، وماهي أجندتكم في ذلك (أفكار، تصورات، خارطة طريق) لمواجهة المرحلة الجديدة؟

أبان الرئيس عبد المجيد تبون عن إرادته وعزيمته بالذهاب للحوار واشراك الجميع فيه إلا من أبى اثناء لقاءه بالأحزاب السياسية في 21 ماي الماضي، ثم كرس ذلك في حملته الانتخابية للعهدة الثانية، ويرسمه كالتزام منه في كلمته أثناء أداء اليمين الدستورية، من وجهة نظرنا في جبهة الجزائر الجديدة هو اعتماد الحوار الدائم والمستمر والدوري كآلية دائمة بيننا كجزائريين، لأنه يبقى أرقى وأسمى وسيلة حضارية لطرح وحل المشاكل، ونتطلع ليصبح تقليدا وطنيا مكرسا في يومياتنا وعلى جميع المستويات بيننا.

شخصيا كتبت كتابا في 2012 تحت عنوان “الإصلاح السياسي في الجزائر: تحديات ورهانات”، قدمنا فيه وصفة دقيقة وشاملة لآلية الحوار وضمانات نجاحه والمناحي التي يجب التطرق لها وخطوات ومراحل الإصلاح المتدرج، بعبارة أخرى في جبهة الجزائر الجديدة نملك مشروعا متكاملا في هذا الشأن، لا يمكن لحيز هذا الحوار أن يستوعبه.

يسجل تراجع لافت لدور الطبقة السياسية والنخب الأكاديمية والإعلامية في صناعة المشهد الجزائري، تحت تأثير تغول السلطة، كحركة سياسية ما موقفكم من ذلك، وبرأيكم ما هي الأسباب، هل هو منطق القوة أم تقصير المجتمع؟

التراجع حقيقة قائمة، كما أن ظاهرة عزوف الناخب الجزائري أيضا واقع لا هروب منه، فبالإضافة لكون هذه الحالة عالمية تشترك فيها معظم دول العالم، إلا أن ذلك لا يعني وجود أسباب وعوامل داخلية بحتة، الوضع ساهم فيه الجميع وتتحمله أربع جهات السلطة والطبقة السياسية والنخب المثقفة ووسائل الإعلام الوطنية، كل جهة من هذه الجهات تسببت في التراجع الرهيب وفي صناعة هذا المشهد البائس، ولا يمكن إصلاح هذا الوضع إلا بمراجعة كل طرف لنفسه ومعالجة الاختلالات التي تسبب فيها، ومع اقرارنا بمساهمة الجميع في هذا الوضع، إلا أن النصيب الأكبر تتحمله السلطة نظرا لامتلاكها جل الآليات والأدوات والإمكانات لتغيير المشهد نحو الأحسن، والبداية من توفر الإرادة والقرار لديها للقيام بذلك.

كنتم طرفا من الأطراف الداعمة للرئيس تبون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ألا يعني ذلك تكريس ممارسات العهد السابق، وبرأيكم هل باستطاعة الرجل تحقيق الانتظارات المأمولة في شتى المجالات لاسيما السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟

شتان بين الأمرين بين عهد القوى غير الدستورية التي تبنت الفساد منهجا وسياسة لتفكيك الدولة وتعريضها لكل المخاطر، وبين عهد الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الرجل يمتلك رؤية واضحة للنهوض بالجزائر وبرنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا متكاملا، وفوق هذا وذلك تسكنه ارادة قوية لتجسيد مشروع الجزائر الجديدة، نعم الصورة الآن لم تتجل بعد أمام العيان، نظرا لحجم التركة السلبية الموروثة وعمق جذور وأذرع العصابة وشبكاتها العنكبوتية التي تلف كل القطاعات وقدرتها على المقاومة والتعطيل لكل خطوة نحو الأمام، مع كل تلك العناصر المثبطة والمعطلة، إلا أن لا أحد يمكنه التغاضي على الإنجازات الاستراتيجية ذات التأثير الإيجابي على التنمية، الرئيس يحتاج إلى دعم واسناد القوى الوطنية الشريفة له، والتي يجب أن تشكل بديلا لدوائر الفساد والإفساد، وهذا ما نتطلع إليه في قادم الأيام.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here