ماكرون يرفض الاعتذار مجددا.. العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى أين؟

27

بقلم : فريدة شراد

أفريقيا برسالجزائر. جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رفضه للاعتذار عن التاريخ الاستعماري لبلاده في القارة الأفريقية، خلال مشاركته في اليوم الأخير من القمة الأفريقية ـ الفرنسية التي التقى فيها مجموعة من شباب من القارة السمراء. واعتبر الرئيس الفرنسي أن الاعتذار “لن يحل المشكلة”، إلا أنه أقر بأنّ الاعتراف “هو الذي سيقود إلى الحقيقة”، داعياً إلى إعادة كتابة تاريخ مشترك على ضوء موقفه المعلن.

وتأتي تصريحات ماكرون، وسط أزمة سياسية اندلعت مع الجزائر السبت الماضي، بعدما نقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية طعنه في وجود أمة جزائرية قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى البلاد عام 1830. وتسائل ماكرون في تصريحاته مستنكراً “هل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟”.

وتوتر العلاقات الجزائرية-الفرنسية في الفترة الاخيرة، كان بمثابة المنعرج، بعدما عرفت تلك العلاقات نوعا من الهدوء والتطور بعد التصريحات السابقة لرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون والتي تودد من خلالها للجزائر في عدة مناسبات أولها خلال حملته الانتخابية أين جرم الاستعمار، وصولا إلى تحقيق بعض التطورات في ملف الذاكرة واسترجاع رفات عدد من الشهداء المتواجدين بمتحف الإنسان بباريس وغير ذلك، وهذا بالرغم من بعض التصريحات والأفعال التي كانت تستهدف الجزائر من الحين لأخر خاصة من طرف الإعلام الرسمي الفرنسي.

تطور العلاقات الجزائرية الفرنسية

زار الرئيس الفرنسي إمانويل ماركرون لأول مرة الجزائر خلال شهر فيفري 2017 واستهل الزيارة برسائل ” ودية” بصفته مرشحا للرئاسة، واصفا الاستعمار الفرنسي بالجريمة ضد الإنسانية، ما جعل الكثير من الجزائريين يأملون في واقع أفضل لمصير العلاقات الجزائرية الفرنسية خاصة لصالح ملف الذاكرة. وعاد ماكرون للجزائر في 6 ديسمبر 2017 بصفته رئيسا لفرنسا، إلا أن الزيارة لم تحمل الجديد للجزائريين فيما يتعلق باعتراف واعتذار فرنسا عن جرائمها ضد الجزائريين.

وفي ديسمبر 2018 جددت الجزائر تتمسكها بحل أربع ملفات لعودة العلاقات الطبيعية ممثلة في الأرشيف وجماجم الشهداء والمفقودين وتعويض ضحايا التجارب النووية من خلال تصريحات وزير المجاهدين الطيب زيتوني وقتها.
وبعد انطلاق الحراك الشعبي في البلاد في 22 فيفري 2019 ودخول الجزائر في مرحلة جديدة وفي مارس 2019 يرفع المتظاهرون شعارات معادية لفرنسا بعد إعلانها دعم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لقرار تمديد فترة حكمهـ تم أتهام فريسا بمحاولة التأثير في مسار التغيير في الجزائر.

ما بعد انتخاب الرئيس تبون

العلاقات الجزائرية الفرنسية بدأت تأخذ مجرى آخر بعد وصول الرئيس تبون إلى رئاسة الجمهورية في الإنتخابات التي خرت في 12 ديسمبر 2019 ووجه وقتها الرئيس رسالة واضحة إلى فرنسا في أول ندوة صحفية له كرئيس للجمهورية، أكد فيها أن الجزائر سيدة في قراراتها ولا سيادة لفرنسا على البلاد.

وارجع بعض المحللين وقتها تأجر فرنسا في تهنئة الرئيس عبد المجيد تبون بفوزه في انتخابات رئاسية لهذا الخطاب.
وشهدت العلاقات الجزائرية- الفرنسية منذ تولي الرئيس تبون زمام الحكم في البلاد، العديد من الأزمات مع فرنسا، نتيجة تجاوزات هذه الأخيرة التي قوبلت بردود قوية من الجزائر

وفي أفريل 2020 قررت الخارجية الجزائرية استدعاء السفير فرنسي احتجاجا على نشر الجيش الفرنسي صورة تضمنت اسم الجزائر وعلمها، وأضيف إليها العلم الأمازيغي ومنطقة القبائل، ما اعتبرته الجزائر مساسا بوحدة البلاد.
كما استدعت الجزائر سفيرها في فرنسا في ماي 2020 بعد بث قناة حكومية فرنسية فيلما وثائقيا حول الحراك الشعبي الجزائري تضمّن مغالطات مسيئة للحراك والبلاد .

ملف الذاكرة.. اللغم

يعتبر ملف الذاكرة من أكثر الملفات الشائكة بين فرنسا والجزائر وشهد شهر جويلية 2020 تستلم الجزائر من فرنسا رفات 24 مقاوم جزائري كانت متواجدة بمتحف الإنسان بباريس، وتصريحات بالعمل على استقدام أخرين.

وشهدت سنة 2020 تأكيد الجزائر على أنها لن تطوي صفحة الماضي الاستعماري مع فرنسا، تزامنا مع اعتزام الأخيرة إعلان تقرير جديد بشأن هذا الملف. وشهد نهاية السنة تطورات كبيرة في ملف الذاكرة أبرزها تكليف باريس المؤرخ بنجامين ستوار من الرئيس الفرنسي والذي أعد تقريرا أكد المؤرخين انحيازه لفرنسا.

ومن الجانب الجزائري اتهم عبد المجيد شيخي، مستشار الرئيس المكلف بملف الارشيف الوطني والذاكرة في أفريل2021 فرنسا بنشر الأمية في الجزائر مع استعمارها عام 1830، ووسائل إعلامية فرنسا تهاجم شيخي.

بداية التوتر

تضاربت الأنباء في 9 أفريل2021 بشأن تأجيل فرنسا لزيارة لرئيس حكومتها إلى الجزائر بين الأسباب صحية وأسباب أخرى لم يعلن عنها بشكل رسمي. أما في29 سبتمبر 2021 فقررت الجزائر استدعاء السفير الفرنسي بعد قرار بلاده القاضي بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف من دون التشاور المسبق مع السلطات الجزائرية.

ووصل التوتر ذروته بعد تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون في 30 سبتمبر 2021 التي تحدث فيها عن الرئيس تبون ونظام الحكم في البلاد وادعى عدم وجود أمة جزائرية قبل استعمار فرنسا للجزائر ودعا إلى إعادة كتابة التاريخ.

وجاء رد فعل الجزائر في 2 أكتوبر 2021 باستدعاء سفير الجزائر في باريس، احتجاجا على تصريحات ماكرون، وفي 3 أكتوبر 2021 تم منع الطائرات العسكرية الفرنسية من عبور الأجواء الجزائرية باتجاه دول الساحل الإفريقي.

مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية

عبد الرحمان بن شريط، محلل وخبير سياسي

أوضح المحلل السياسي عبد الرحمان بن شريط، أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية، تغيرت عن ما كانت عليه في ظل النظام السابق قاده الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لمدة 20 سنة، مؤكدا تغير “اللهجة” طريقة التعامل منذ تولي الرئيس تبون زمام الحكم في البلاد.

وقال المتحدث ذاته خلال إن فترة النظام السابق كان هناك تأثير كبير لفرنسا على الجزائر واستطاعت من خلاله تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية على حساب مصالح الجزائريين. وأشار عبد الرحمان بن شريط إلى أن الرئيس الفرنسي ماكرون كان يستغل كثيرا ضعف الحكومة في وقت سابق، مؤكدا أن النظام في فترة حكم الرئيس الراحل بوتفليقة لم يكن يتحكم في علاقته مع فرنسا بل كانت هذه الأخيرة تملي عليه منطقها.

واستدل المحلل السياسي على جذري في العلاقات الجزائرية-الفرنسية قائلا:” يبدو من الأحداث الأخيرة بعد تولي الرئيس تبون زمام الحكم في البلاد أن اللهجة تغيرت، ماكرون حاول في البداية استعطاف الرئاسة من خلال قضية رفات وجماجم المقاتلين الجزائريين ومن خلال ملف الذاكرة”.

وفي تعليقه عن تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة، قال المحلل السياسي بن شريط، إن هجمة ماكرون جاءت تزامنا واقتراب الرئاسيات الفرنسية في محاولة منه للاستدراج “الحركى” وكسب متعاطفين معه تحسبا للاستحقاق السياسي، لافتا أن الرئيس الفرنسي حاول من خلال تصريحه تشويه الجزائر.

ووصف المتحدث ذاته رد فعل الجزائر بـ” العنيف” ، مشيرا إلى أنه أدى لإجراءات غير مسبوقة كغلق المجال الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي، ولم مستبعد إمكانية اتخاذ إجراءات أخرى. وأضاف المتحدث ذاته أن الرئيس الفرنسي يحاول الخروج من الورطة التي وضع نفسه فيها أي اعتذار رسمي.

ويتوقع المحلل السياسي أن العلاقات الجزائرية الفرنسية مغايرة لما كانت عليه في السابق، قائلا:” الجزائر وضّحت للطرف الفرنسي مبادئ الدبلوماسية، وأظن أن الرسالة وصلت لطرف الفرنسي على أن الأساليب القديمة أصبحت غير مجدية، وعليها أن تغير نظراتها الجزائر وتعيد حساباتها”.

وعن مصير الذاكرة، قال المتحدث ذاته إن الجزائر ما فتأت تؤكد تمسكها بحل هذا الملف وكذا ملف رفات المقاومين الجزائريين وملف الإشعاعات النووية بالصحراء الجزائرية وغيرها، لتبقي الكرة الآن في يد فرنسا التي تحاول استعمال هذه الملفات كورقة ضغط.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here