أفريقيا برس – الجزائر. دعا رئيس حزب جيل جديد الجزائري المعارض، جيلالي سفيان، السلطة الى وقف المشاورات السياسية الجارية، الى غاية بلورة خارطة طريق تكفل لجميع القوى الناشطة المشاركة والمناقشة في صناعة توافق وطني، كما رفض الرد على مشروع قانون الأحزاب السياسية، لقناعته بكون المسائل التفصيلية لا تستدعي النقاش، في ظل نوايا المشروع لتطويق التعددية السياسية، وتحويل الأحزاب السياسية الى أجهزة خاضعة للإدارة.
ويعد هذا الموقف الخارج عن توقعات السلطة، أول رد فعل صريح يصدر عن أحد الفاعلين السياسيين حول مشروع قانون الأحزاب السياسية، الذي تسعى الحكومة الى تمريره مدعومة من طبقة الموالاة، حتى وأن المخاوف حول مصير ومستقبل التعددية في البلاد، أثيرت من طرف العديد من القوى السياسية، بما فيها الداعمة للسلطة.
واختار الحزب العلماني، نشر موقفه في منصاته على شبكة الاينترنت، عكس غالبية الأحزاب السياسية التي شرع البعض في تسليم ردودها الى الحكومة، في انتظار طرح مشروع القانون للمناقشة والاثراء في البرلمان، وهو يشكل خيبة أمل يشترك فيها مع العديد من الأحزاب السياسية، لاسيما المعروفة بمعارضتها الراديكالية، أو التي تتواجد في وضع قانوني واداري غير مريح، كعدم الترخيص أو التجميد.
ورأى القيادي السابق في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، بأن مشروع القانون المطروح، يمثل تهديدا مباشرا للتعددية السياسية والحزبية في البلاد، ويضع الحزب السياسي كمؤسسة في منزلة الهيئة الإدارية التابعة لوزارة الداخلية، وهو ما سيقضي تماما على مكسب الديمقراطية الذي ضحى الجزائريون من أجله في انتفاضة أكتوبر 1988.
وأوضح، لـ”أفريقيا برس”، بأن “بصيص الأمل الذي كشف عنه الرئيس تبون، في خطاب تنصيبه رئيسا للجمهورية لولاية ثانية، تبخر بمقتضى نمطية الحوار السياسي الدائر لحد الآن بين رئيس الجمهورية وقيادات حزبية من معسكر السلطة، وبمقتضى مشروع قانون الأحزاب السياسية المعروض للنقاش”.
وتابع “تحت يافطة أخلقة الحياة السياسية التي تمثل احدى التعهدات التي تبناها برنامج رئيس الجمهورية منذ الولاية الأولى، يجري التضييق تدريجيا على النشاط والحريات السياسية في البلاد، فرغم أن الدستور يقضية باجراء التصريح فقط لانشاء حزب سياسي، إلا أن وزارة الداخلية بالحق الحصري في مراجعة مفتوحة لوثائق الحزب، فضلا على تقييد العمل الميداني، سواء بالتمويل أو المشاركة في فعاليات خارج البلاد، وحتى الحل الآلي للحزب اذا لم يشارك في استحقاقين انتخابيين متتابعين”.
وبرر حزب جيل جديد في وثيقته التي نشرها في موقعه الالكتروني، موقفه الرافض للرد على المشروع والداعي لتعليق الخطوة، لغاية بلورة خارطة طريق شاملة، بكون مشروع الإصلاح السياسي كما هو معروض هو “مزيج من القوانين القمعية والتنظيمية التي تحوّل الأحزاب السياسية وكذلك الجماعات المحلية إلى مجرد ملحقات إدارية”.
وذكر: “بدلا من تنظيم حياة سياسية حرة ومسؤولة، فإن هذه القوانين تقيد الأحزاب السياسية في لائحة داخلية قاتلة على أكثر من صعيد. ولن تستمر سوى الأحزاب السياسية التي تجعل دعمها مصدرًا للربح. أما الأحزاب السياسية المبدعة، التي تحمل التجديد والانفتاح، فسيتم محاربتها، مختنقةً بتدابير أكثر صرامة وتعسفية”.
وأضاف: “عند إعلان الحوار الوطني من قبل رئيس الجمهورية ونية مراجعة القوانين المنظمة للحياة المدنية، كان لدينا بصيص من الأمل، ولكن للأسف تم دحض ذلك بسرعة من خلال هذه المشاريع. كنا نأمل في رؤية أكثر توازنًا، لكننا حصلنا على وصاية إدارية. فما الذي يبرر مثل هذا النهج؟”.
وفي هذا الشأن، عبر رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، الذي دعم الرئيس عبدالمجيد تبون، خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت مطلع شهر سبتمبر الماضي، عن “استغرابه من محتوى المشروع، الذي يحول الأحزاب السياسية من مؤسسات مجتمعية، الى أجهزة تخضع للإدارة، بعد اعراب الأخيرة عن نيتها في بسط هيمنتها المالية والإدارية وحتى العمل الميداني
أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، فقد حذر في بيان له، بأن المشروع سينهي خيار التعددية السياسية، عبر خلق مشهد سياسي تهيمن عليه الإدارة وتوجهه بحسب إرادة السلطة، وهو ما يضع مكسب الديمقراطية في الجزائر شيئا من الماضي، اذا لم تتحرك القوى الفاعلة لإنقاذ البلاد من مشروع سياسي شمولي أحادي.
ويشهد العمل الحزبي في الجزائر، تراجعا لافتا في السنوات الأخيرة، فرغم احتفاظ السلطة بالنسيج الحزبي الموالي لها، وتشديد القيود على القوى المعارضة لها، إلا أن إقرارها بالاعتماد على ما تسميه بـ”المجتمع المدني”، ليكون شريكا لها في تعبئة المجتمع والنهوض بالتنمية، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، بالنسبة للقوى الحزبية.
واستغرب ناشطون حزبيون وشخصيات مستقلة، اعتماد السلطة على مشهد أهلي تسهم في صناعته، وتحاول وضعه في مكان غير طبيعي، وعلى حساب الكيانات السياسية، مما فاقم من حجم الفجوة القائمة بين السلطة والشارع الجزائري، وبات من الصعب تشييد جبهة داخلية لمواجهة مختلف التحديات القائمة، بسبب تراجع الأحزاب عن أداء دورها في المجتمع.
وشدد جيلالي سفيان، على أنه، “إذا كانت الفوضى باسم الحرية والانحرافات الناجمة عن التساهل غير مقبولة، فإن العكس هو أيضا ضار بالأمة، وهذه المشاريع، كما هي مصاغة، ستزيد من الفجوة بين المواطنين والدولة، وستعزز تضخم البيروقراطية التي ستصبح في النهاية هيمنة وموئلًا للفساد، وستلغي في النهاية جميع هياكل تشكيل القيادات السياسية للمسؤولين المستقبلين في الأمة”.
ولفت الى أن “مشروع قانون الأحزاب السياسية من مبادرة من السلطة التنفيذية ولم يكن بناء على طلب من المعنيين أنفسهم، وهو بالطبع جزء من عملية إصلاحية شاملة للنشاط السياسي في البلاد، والواقع مشاريع قوانين الجماعات المحلية، البلديات والمجالس الولائية، ثم الجمعيات في المجتمع المدني وكذلك الأحزاب السياسية، تدفعنا إلى النظر في الإصلاحات المقترحة بشكل كلي وعدم الاقتصار على تعديل بعض النصوص لتصحيح الخلل هنا أو هناك”.
وخلص الى أنه من غير المجدي مناقشة هذه المشاريع في تفاصيل موادها وأحكامها، حيث إن الفلسفة والنهج الذي أنشأها بعيدان عن قناعاتنا وفهمنا لما يمكن ويجب أن تكون عليه دولة القانون التي تحكمها الديمقراطية، وأنه من الممكن الاتفاق على قواعد توافقية تضمن حماية مؤسسات البلاد وتجنب تدخل المال سواء كان محليا أو دوليا في الخيارات الانتخابية. في المقابل، يجب أن تنتظر الأحزاب بشكل مشروع تنظيما ماليا عادلا ومتوازنا، يسمح لها بالعمل بحرية في إطار القوانين المعمول بها وفي إطار تمثيلها.
وكان الرئيس تبون، خلال الأسابيع الأخيرة، قد التقى بعدد من قادة الأحزاب السياسية، في اطار ما وعد به حول فتح حوار سياسي شامل، خلال خطاب التنصيب كرئيس للجمهورية بعد انتخابات شهر سبتمبر الماضي، وهو ما فاجأ الطبقة السياسية التي كانت تنتظر حوارا شاملا يجمع كل الطيف السياسي، بمن فيهم غير المرخص لهم بالنشاط، كالاتحاد الديمقراطي الاجتماعي الذي يرأسه المعارض كريم طابو، الأمر الذي شكل خيبة أمل سياسية، كون السلطة لا زالت متمسكة بالحوار مع الموالين لها وليس مع من يعارضونها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس