وقفة مع عبد الحميد بورايو

19
وقفة مع عبد الحميد بورايو
وقفة مع عبد الحميد بورايو

أفريقيا برس – الجزائر. تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته قرّاءها. “الانشغال بالعلوم الإنسانية والاجتماعية في مجتمعاتنا أمرٌ صعب، وكثيراً ما يولّد الإحساس باللاجدوى”، يقول الباحث الجزائري لـ “العربي الجديد”.

ما الذي يشغلك هذه الأيام؟

– مراجعة الروايات التي جرى اختيارها في القائمة الطويلة لـ “جائزة آسيا جبّار”، وإعادةُ قراءة بعضها من أجل كتابة مقالات حولها، إلى جانب قراءة الروايات المرشّحة لـ “جائزة محمّد ديب” وتقييمِها.

ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟

– آخر ما صدر لي هو كتابُ “من أرشيف التراث الشعبي اللامادّي الجزائري”، ويضمّ مقالات كتبها مستشرقون فرنسيّون حول الأدب الشعبي الجزائري، ونصوصاً نشروها بلغتها الأصلية أو مترجمةً إلى الفرنسيّة. وحالياً، أهيّئ دراسةً عن الأنساق الثقافية التي سعت بعض الروايات الجزائرية إلى تجسيدها.

هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟

– لستُ راضياً تماماً، لأنّني أجد نفسي مشتَّتاً بين عدّة اهتمامات، لم تُسعفني وضعيّتي الصحية للاطّلاع على الموادّ المتعلّقة بها بصفة مُرضية (أجريتُ منذ سبعة أشهر عملية جراحية للقلب، كما أجريت منذ شهر عملية جراحية للعين). لمّا يتقدّم بنا العمر، يضيق المجال الزمني لتحقيق ما نصبو إليه، وتُُصبح القدرة الفيزيقية عاجزةً عن تلبية احتياجاتنا الفكرية والثقافية.

لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

كنتُ اخترتُ مجال العلوم البحتة، فقد كنتُ متفوّقاً فيها أثناء دراستي في المراحل التعليمية الأُولى، ولم أتمكّن من متابعتها بسبب اضطراري إلى مغادرة مقاعد الدراسة المنتظمة مبكّراً لأسباب اجتماعية (في مرحلة نهاية التعليم المتوسّط)، ووجدتُ نفسي أتابع التعليم الحرّ، فتوجهتُ نحو الآداب والعلوم الاجتماعية، لكون تلقّيها بصفة غير مدرسيّة متيسّر، ونظراً لصعوبة متابعة العلوم البحتة بصفة حرّة. الانشغال بالعلوم الإنسانية والاجتماعية في مجتمعاتنا المتخلّفة أمرٌ صعب، كثيراً ما يولّد الإحساس باللاجدوى من العناية بها، بسبب غياب المعايير الفاصلة بين ما هو علم وما هو خرافة أو أوهام! يتسبّب ذلك في عدم تقدير العلم الذي يعالج المجتمع أو الفلسفة أو الأدب، واعتبار كلّ من يخوض في أمر ديني عالماً في الدين، وكلّ من يتكلّم في الأدب أديباً أو دارساً للأدب! وهكذا… تفقد بذلك هذه العلوم دورها في النهوض بالمجتمع، ولا يُميَّز فيها بين الصالح والطالح بوضوح، وتَستغل السلطة السياسيّة ذلك كلَّه لذرّ الرماد في العيون وتمرير أجنداتها والحفاظ على امتيازاتها من دون رقيب ولا رادع.

ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

– تحوُّل مجتمعنا المتخلّف إلى مرحلة متطوّرة بالاعتماد على العلم وأسلوب حكم راشد ينجح في تنفيذ سياسة تنموية مناسبة، بالاستفادة من مردود البترول والغاز، وكذلك حسن استعمال الطاقات البشرية المتوفّرة نتيجة انتشار التعليم والاستفادة من الخبرات العاملة في الخارج، وتوفير فرص العمل للشباب، والحدّ من انتشار الفقر، والسموّ بقيمة العمل، وتقدير الفنّ والممارسات الثقافيّة. أمّا بالنسبة إلى العالم، فأتمنّى انتهاء الغطرسة السياسية والعسكرية الغربية (الأوروبية والأميركية) ونهب ثروات الشعوب المتخلّفة بالتواطؤ مع أنظمة الحكم فيها، وظهور وضع دولي يسمح ببروز قوى سياسية جديدة تعتني بالمحافظة على البيئة وتحسين المناخ والظروف الصحّية للبشر واستبعاد شبح الحروب. هناك حاجة ماسّة لعدالة تحكم العالم وتتيح النموّ للشعوب المتخلّفة، والتعايش السلمي بين الشعوب ذات الثقافات المختلفة والديانات المتعدّدة.

شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

– أتمنّى أن ألتقي بالشاعر أبي العلاء المعرّي، لأعرف السبيل الذي أدّى به إلى اكتشاف الوعي المزيَّف بالعالَم في الوسط الذي عاش فيه. عبّر أدب المعرّي عن أزمة الإنسان الوجوديّة لما يكتشف حدوده الفيزيقية وغلبة الوهم على مخيّلته.

صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟

– تُمثّل مقدّمة ابن خلدون خزّاناً ثريّاً للوعي البشري بالتاريخ وعقلنته. ظهر هذا المؤلَّف في فترة زمنية تُمثّل تدهور الحضارة العربية الإسلامية واتّجاهَها نحو الانحدار ثم الأفول التدريجي. يُعتبَر هذا الكتاب حصيلة هذه الحضارة ورصداً للقوانين التي حكمتها في مجالاتها المتعدّدة. تحضرني صورة الصديق عبد الرحمن أيوب، وهو متخصّص في التراث اللامادّي وكان خبيراً لدى “يونسكو” في مجال دراسة التراث اللامادي في العالم العربي. خاض تجربة هامة في التواصُل مع جامعي التراث الشفاهي العربي ومع الرواة في الأردن وسورية ومصر وليبيا وتونس والجزائر، وله آراء ومواقف مستنيرة وعمليّة في النظر إلى قيمة هذا التراث وضرورة الحفاظ عليه وصيانته وتوظيفه، وهو تراثٌ تنظر إليه النُّخب المثقّفة في العالم العربي بشيء كثير من الاستعلاء، ممّا يتسبّب في إهمال دراسته وقلّة العناية بتسجيله وحفظه.

ماذا تقرأ الآن؟

– رواية واسيني الأعرج “ليليات رمادة”. توظّف الرواية ظروف انتشار وباء كوفيد 19، وما تطلَّبه من حجر صحّي، لسرد أحداث تلعب فيها المرأة دور البطولة، لتطرح همومها وتُعبّر عن واقعها البئيس في مجتمع ذكوريّ متخلّف.

ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

– أُدمن الاستماع لفنّ جزائري صرف، وهو من الطبوع الغنائية البدويّة الشائعة في الهضاب العليا، امتزج فيه الصوت البشري بالإيقاع المميّز وصوت القصبة (الناي)، إنه “الأياي” الذي برع فيه خليفي أحمد ورابح درياسة وغيرهما من الفنّانين الجزائريّين.

هناك فنّ آخر موازٍ له لا يقلّ روعة عنه عرفته منطقة الأوراس، وتغنّى به الجرموني وبقّار حدّة والشيخ بورقعة يُطلَق عليه أيضاً مصطلح الفنّ البدوي، وهو من الفنون الأصيلة والمميّزة للثقافة الجبلية الأوراسية، له تأثيره القويّ في الغناء المنتشر في منطقة سطيف.

يحمل “الراي” المنتشر في الغرب الجزائري بدوره تسمية الفنّ البدوي، وله حضوره القويّ في الثقافة الفنّية الجزائرية والمغاربية. وإلى جانب ذلك، هناك “الفنّ الشلاّلي” المتداوَل في صحراء الجنوب الغربي الجزائري، والذي بدوره لا يقلّ قيمة عن جميع الطبوع المذكورة سابقاً. هذه الفنون البدوية جميعاً تُعبّر عن روح الإنسان الجزائري وخصوصيّته، أستمتع بالاستماع إليها وأدعو إلى سماعها وتذوّقها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here