افريقيا برس – الجزائر. واقع مرير ذلك الذي تعيشه ولاية بجاية، أهم وجهة سياحية في الجزائر، أياما قليلة قبل الافتتاح الرسمي لموسم الاصطياف، بسبب الانتشار الرهيب للنفايات التي لم تنج منها معالمها السياحية ولا التاريخية ولا حتى شواطئها ولا وديانها ولا غاباتها ولا شوارعها في صورة تعكس مدى لا مبالاة المسؤولين في تغيير واقع عنوانه “الأوساخ”، إذ لا تزال ولاية سياحية بحجم بجاية تسير نفاياتها بطرق عشوائية من خلال التخلص منها على ضفاف الوديان والشواطئ والغابات وحتى الطرقات أو تركها متراكمة في مشاهد يتندى لها الجبين وذلك في ظل غياب أدنى إرادة من أجل التخلص من هذا المشكل العويص الذي عكر يوميات سكان وزوار الولاية، فيما باتت الطبيعة تتحسر وتنتظر الفرج.
ويصطدم الزائر لولاية بجاية منذ الوهلة الأولى بأكوام النفايات التي تغرق فيها هذه “اللؤلؤة” والتي لم تسلم منها حتى شواطئها التي تحوّلت رغم أنف القوانين، إلى مفارغ عشوائية مترامية الأطراف لكل أنواع النفايات، كما هو الحال بشاطئ أوقاس حيث اختلط الحابل بالنابل وذلك قبل أن تسير بلدية بوخليفة على خطى سابقتها من خلال تشييدها لمفرغة عشوائية بشاطئ المغرة وكأن الولاية ليست بحاجة إلى هذه الشواطئ التي يقصدها سنويا الملايين من داخل وخارج الوطن، من أجل السباحة والاستجمام.
ورغم النداءات المتكررة إلا أن الوضع لا يزال على حاله في ظل افتقار الولاية إلى أدنى مشروع لتسيير ورسكلة هذه النفايات التي تعد لدى أجناس أخرى بمثابة ثروة تساهم في نمو اقتصادها، والغريب في الأمر أن كل القوانين التي أعدت على الورق، لحماية البيئة قد ضربت بهذه الولاية عرض الحائط، الأمر الذي جعل هذه المفارغ العشوائية تنمو بشكل متسارع وفي كل مكان، حتى على حواف الوديان، ولعل واقع وادي الصومام الذي تحوّل منذ عقود إلى مكب لكل أنواع النفايات والسوائل السامة، ما يعكس مدى لا مبالاة المسؤولين المحليين في حماية البيئة التي أضحت تدفع ثمن فشل المسؤولين مع الإشارة إلى تسجيل في كل مرة نفوق الآلاف من الأسماك بالوادي المذكور، علما أن الفاتورة النهائية والغالية قد يدفع ثمنها الإنسان وما انقراض الأسماك بالسواحل الجزائرية إلا البداية، بفعل تواصل هذا الاختلال البيئي الذي حوّل كل ما هو جميل إلى مكان غير قابل للعيش وذلك أمام مرأى المسؤولين الذين يتقاضون رواتب من أجل القيام بـ”لا شيء” علما أن واقع جميع وديان الولاية لا يختلف على واقع وادي الصومام على غرار وادي أڤريون وتابلوط وزيتونة والجمعة وغيرها والغريب في الموضوع أن مصالح الولاية قد أطلقت في وقت سابق حملات من أجل تنظيف الوديان التي تقطع عاصمة الولاية لكنها في المقابل لم تتمكن من إزالة المياه العكرة التي تصب فيها والتي كان من المفترض أن يتم تجميعها على مستوى محطات المعالجة بدلا من تلويث البيئة بها، الأمر الذي جعل هذه الوديان مصدرا لكل أنواع الروائح الكريهة وبيئة مناسبة لتكاثر الناموس والجرذان، وإن تواصلت الأمور على حالها “قد تظهر التماسيح بدلا من الأسماك بهذه الوديان”- حسب تعبير أحد المواطنين.
ولأن لامبالاة المسؤولين وحتى بعض المواطنين قد تجاوزت حدود المعقول بهذه الولاية، فإن ذلك انعكس سلبا على قطاع النظافة بولاية لقبت ذات يوم بـ”الشمعة”، فيكفي التأمل في واقع حواف الطريق الوطني الساحلي رقم 24 الذي يربط بجاية بتيزي وزو مرورا ببوليماط والساكت وتوجة وبني كسيلة، أجل شواطئ الولاية، للتأكد مرة أخرى أن الأمور ليست على ما يرام جراء الانتشار الرهيب للنفايات، يضاف إلى ذلك الوضعية الكارثية للطريق وكذا الاستحواذ المتواصل على أراضي الدولة على طول الشريط الساحلي، الأمر الذي يرهن أي مشروع يهدف إلى النهوض بقطاع السياحة بهذه الولاية.
ولا يقتصر الإهمال عند هذا الحد بل وامتد إلى المعالم التاريخية التي لا تزال تقاوم من أجل البقاء، ولعل واقع مقام “يما ڤورايا” الذي يزوره الملايين سنويا يعكس مدى اللامبالاة التي تسري في عروق القائمين على شؤون هذه الولاية، وهو ما قد يؤدي إلى زوال هذه المعلم التاريخية ومعها صفحات عديدة من تاريخ المنطقة كما امتدت الأزبال إلى البحيرة السوداء بأكفادو الملقبة بـ”جنة الأرض” جراء غياب أدنى مخطط لتسيير هذه الأخيرة والأمثلة عديدة ومتنوعة، فيكفي الذهاب إلى شلال كفريدة أو كاب أوقاس للوقوف على طريقة تسيير المواقع السياحية بهذه الولاية وأصلا ليس هناك أي مخطط لذلك، وذلك من دون الحديث عن قوارير المشروبات الكحولية التي شوّهت جل الفضاءات والتي أضحت تشكل خطرا حقيقيا بشواطئ البحر المفخخة بالزجاج.
والأكيد أن ولاية بجاية التي لا تزال تحافظ على مكانتها السياحية رغم الغياب التام للمشاريع التي من شأنها أن تساهم في النهوض بقطاع السياحة باستثناء بعض المشاريع المبرمجة بالجهة الشرقية على غرار ملبو وسوق الاثنين وأوقاس والتي برمجت في وقت العصابة ومنحت لأشخاص لا علاقة لهم بالسياحة، ما أدى إلى رفضها من قبل سكان المناطق المذكورة، فإن بجاية بحاجة في عجالة إلى مشاريع حقيقية في مجال رسكلة النفايات من جهة ومن جهة أخرى إلى مخطط واضح لتسيير وحماية المواقع السياحية والتاريخية مع الاستغلال الحقيقي لكل الثروات التي تزخر بها الولاية من وديان وشلالات وغابات وجبال وشواطئ ومغارات وغيرها من أجل النهوض بقطاع السياحة وتطويره.. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا “أي تلفريك يما ڤورايا؟”.