مساعي باريس لإعادة الدفء للعلاقات مع الجزائر

مساعي باريس لإعادة الدفء للعلاقات مع الجزائر
مساعي باريس لإعادة الدفء للعلاقات مع الجزائر

أفريقيا برس – الجزائر. بعد ما تخلى عنه اليمين وبات مصيره السياسي على قدر كبير من الهشاشة، عاد مرة أخرى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى مغازلة الجزائر، فيما بدا محاولة لاستدراجها من أجل إطلاق سراح الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالح بلاده في الجزائر، التي تضررت بشكل غير مسبوق.

وبأمر من ماكرون، شارك السفير الفرنسي لدى الجزائر، ستيفان روماتي، الموجود في باريس منذ نحو ستة أشهر، الخميس 16 أكتوبر الجاري، في مراسيم تخليد ذكرى ضحايا مظاهرات 17 أكتوبر 1961، التي فقد فيها المئات من الجزائريين أرواحهم برصاص الشرطة الفرنسية، وهناك من قضى منهم غرقا في نهر السين وهم مكبلين بوحشية من قبل شرطة المجرم موريس بابون.

ووفقا لمصادر دبلوماسية، أراد إيمانويل ماكرون توجيه رسالتين إلى الجزائر، حسب ما أوردته صحيفة “لوفيغارو” اليمينية، الجمعة 17 أكتوبر، الأولى تذكير الجميع بأن “فرنسا لا تنسى هذا اليوم الأسود في تاريخها”، والرسالة الثانية، تتمثل في الحرص على ضرورة “تجاوز الأزمة” التي تشل العلاقات الفرنسية الجزائرية.

ولا تزال السفارة الفرنسية في الجزائر، من دون سفير في سابقة على مستوى العلاقات الثنائية، منذ أفريل 2025، إثر استدعائه من قبل قصر الإيليزي، بعد ما طردت الجزائر 12 موظفا بالسفارة الفرنسية لدى الجزائر، أما السفير الجزائري فقد مضى على استدعائه أكثر من سنة، وقد تم تحويله إلى العاصمة البرتغالية لشبونة، ما يؤكد عدم وجود نية لدى الطرف الجزائري، في تعيين سفير جديد في باريس.

ومنذ أكثر من سنة، لم تقدم الرئاسة الفرنسية على أية مبادرة على صعيد الذاكرة، رغم اتخاذ ماكرون لهذا الملف كرافعة في محاولاته الرامية إلى تطبيع العلاقات الثنائية، كما أن لجنة الذاكرة التي قطعت أشواطا في عملها، توجد في حالة توقف تام منذ أن قرر الرئيس الفرنسي الانحياز للنظام المغربي في قضية الصحراء الغربية، وهو القرار الذي أدخل العلاقات الثنائية إلى الثلاجة.

ويعود آخر قرار للرئيس الفرنسي بشأن العلاقات مع الجزائر إلى شهر أوت المنصرم، وكان يومها قد دعا وزيره الأول، فرانسوا بايرو، إلى “مزيد من الحزم والعزم تجاه الجزائر”، الأمر الذي يضع الخطوة الفرنسية الجديدة من قبل ماكرون، محاولة لمد جسور التواصل مع الطرف الجزائري، الذي قطع الجسور مع باريس، وبدأ منذ أشهر في تدابير عقابية ضد المصالح الفرنسية، كان من أبرز ملاحها، إقصاء القمح الفرنسي من مناقصات الديوان الوطني للحبوب، رفض التجاوب مع توسلات العملاق الفرنسي لصناعة السيارات “رونو” من أجل إعادة مصنعه في وهران المتوقف منذ نحو ست سنوات.

وسبق مبادرة ماكرون الأخيرة، إشارة أخرى من وزارة الخارجية الفرنسية وذراعها “كامبوس فرانس”، تمثلت في رفع عدد التأشيرات الممنوحة للطلبة الجزائريين في سنة 2025، بنحو ألف تأشيرة مقارنة بالسنة الماضية، وهو القرار الذي خلف هيجانا لدى اليمين واليمين المتطرف، ولم يصل ماكرون إلى هذا القرار، الذي لم يحظ بأي تقدير من قبل الطرف الجزائري، إلا بعد أن اقتنع بأن حلفاءه في اليمين بمختلف توجهاتهم، بصدد التخلي عنه.

وبرأي مراقبين، فإن خطوة ماكرون الأخيرة سوف لن تساهم في خفض منسوب الغضب الجزائري، ولاسيما بعد ما قرر الرئيس الفرنسي الارتماء في أحضان اللوبيات المعادية للجزائر بالكامل في شهر أوت المنصرم، في رسالته الشهيرة التي وجهها لوزيره الأول بـ”الحزم” مع الجزائر، وقبل ذلك ظل الطرف الجزائري يستثني ماكرون مما تتعرض له الجزائر من الاستفزازات الفرنسية، ويلقي باللائمة على الأوساط اليمينية.

كما أن الضرر الذي سببه قرار الرئيس الفرنسي بدعم أطروحة النظام المغربي في الصحراء الغربية، سوف لن تجبره خطوة شكليّة لم تتعد إجراء بروتوكوليّا أصبح مبتذلا مع مرور السنوات، أما مغادرة وزير الداخلية السابق، برونو روتايو، للحكومة الفرنسية فلا يمكن اعتباره إنجازًا، فقد ثبت بعد تحريض ماكرون لوزيره الأول السابق، أن روتايو لم يكن سوى الواجهة في الضرر الذي لحق العلاقات الثنائية.

ولا يستبعد أن يكون الرئيس الفرنسي قد حاول التقرب من الجزائر على أمل استمالة الرئيس عبد المجيد تبون من أجل الإفراج عن بوعلام صنصال، الذي يقترب من إنهاء عامه الأول في السجن، بسبب إضراره بالوحدة الترابية للوطن والتخابر مع قوى أجنبية. وهي القضية التي أحرجت ماكرون بشكل كبير، وكشفت بالمقابل عن تراجع النفوذ الفرنسي في مستعمرتها السابقة، فضلا عن كون العقوبة المسلطة على صنصال، تدخل في إطار صيانة السيادة الوطنية وبداية قطع دابر الطابور الخامس، الذي يدعي حرية التعبير للدفاع عن مصالح فرنسا اللغوية والاقتصادية.

المصدر: الشروق

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here