أفريقيا برس – الجزائر. واجهت هيئة محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، مسؤولي وإطارات الوكالة الوطنية للنشر والإشهار “أناب” بحقائق التسيير الكارثي للوكالة، والمعاملات التفضيلية في توزيع “الريع الإشهاري”، واستفادة مجلات وجرائد مجهرية وغير معروفة وأخرى تحصلت على اعتماد مؤقت للصدور ومعظمها محسوبة على مجموعة الضغط من ذوي النفوذ و”الكارتل المالي” واللاعبين الدوليين السابقين ووزراء وبرلمانيين من حصص خيالية ومساحات إعلانية ضخمة.
كما أزالت المحكمة الستار عن الصفقات التي أبرمت بين “الوكالة الوطنية للنشر والإشهار” ومؤسسة ميترو الجزائر، من أجل استغلال وتسويق الفضاءات الإشهارية ولجوء مسؤولي “أناب” إلى إبرام صفقات مشبوهة مع متعاملين خواص وتقاسم الغنيمة فيما بينهم على شاكلة شركة “INNOMEDIA”لمالكها “بن منصور أحمد كريم” ابن شقيقة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، مما كبّد وكالة “أناب” خسائر رهيبة قدرت بـ26.6 مليار سنتيم سنة 2017 لترتفع إلى 36.2 مليار سنتيم سنة 2018 ثم إلى أزيد من 42 مليار سنتيم سنة 2019 ناتجة عن تخليص الإتاوة السنوية الثابتة المضمونة وما خفي أعظم..!
وقد انطلقت على مستوى الفرع الثاني لدى محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، الثلاثاء 14 أكتوبر الجاري، محاكمة وزيري الاتصال السابقين جمال كعوان وحميد قرين، والمدير العام السابق للوكالة أمين شكير و10 متهمين متابعين في ملف الفساد المعروف بـ”أناب 2′′ عن وقائع التلاعب بالإشهار العمومي ومنح مساحات إعلانية بطريقة مشبوهة لجرائد مجهرية وأخرى وهمية.
وقد مثل المتهمون أمام هيئة محكمة القطب، عن تهم ثقيلة تراوحت بين إساءة استغلال الوظيفة على نحو يخرق القوانين والتنظيمات من أجل منح مزايا غير مستحقة للغير، التبديد العمدي لأموال عمومية، إلى جانب منح امتيازات غير مبررة للغير بمناسبة إبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو إحدى مؤسساتها مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية.
فيما استفاد عدد من المتهمين، على غرار الوزير السابق للاتصال، عبد الحميد قرين، الموضوع تحت إجراء الرقابة القضائية، من الانتفاء الجزئي، بعد القرار الصادر عن غرفة الاتهام لدى مجلس قضاء الجزائر، القاضي بإسقاط تهمتي التبديد العمدي لأموال عمومية ومنح امتيازات غير مبررة للغير، حيث تم متابعتهم فقط بتهمة واحدة وهي إساءة استغلال الوظيفة على نحو يخرق القوانين والتنظيمات من أجل منح مزايا غير مستحقة للغير.
فبعد دخول المتهمين الموقوفين الـ5 وغير الموقوفين إلى قاعة الجلسات، باشرت قاضية الفرع الثاني لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، في المناداة على جميع الأطراف المعنية بملف الحال من متهمين وشهود وأطراف مدنية، لتشرع بالتدقيق في الهوية الكاملة لكل متهم مع تذكيرهم بالتهم الموجهة إليهم من طرف قاضي التحقيق، ليشرع في استجواب المتهمين.
كعوان: لا يوجد قانون يضبط الإشهار في الجزائر
القاضي تنادي على الوزير الأسبق كعوان جمال محفوظ وتشرع في استجوابه.
القاضي: أنت متابع بجنح إساءة استغلال الوظيفة على نحو يخرق القوانين والتنظيمات من أجل منح مزايا غير مستحقة للغير، التبديد العمدي لأموال عمومية، ومنح امتيازات غير مبررة للغير بمناسبة إبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو إحدى مؤسساتها مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية، هل تعترف أم تنكر؟
كعوان: أنكرها جملة وتفصيلا.
القاضي: ما هو منصبك أثناء الوقائع؟
كعوان: تم تعييني على رأس الوكالة سنة 2015 إلى غاية سنة 2017 أين تم تعييني كوزير للاتصال، وبقيت أشغل منصب رئيس الوكالة، ثم تمت إقالتي من منصبي الوزاري خلال شهر مارس من سنة 2019 وحاليا أنا متقاعد ولا أشغل أي منصب.
القاضي: واصل.
كعوان: سيدتي الرئيسة، ما نسب إلي من تهم مجرد افتراءات وأقوال وتأويلات، من دون وجود أي أدلة أو قرائن تثبت ارتكابي لهذه الجرائم. ليكن في علمكم سيدتي المحترمة أن الإشهار في الجزائر لا يملك قانونا ينظمه ويضبطه. فالوكالة الوطنية للنشر والإشهار هي مؤسسة ذات طابع تجاري وتعتبر همزة وصل مع زبائن يعقدون صفقات بنية كسب المال. لم أفهم إلى حد الساعة ما سبب متابعتي بالفساد وجرجرتي اليوم أمام المحكمة؟ أين الخلل؟ مادام لا يوجد قانون يضبط كيفية منح الإشهار وهو السبب الرئيس الذي دفعنا أن نعقد الصفقات واحترمنا فيها جميع الإجراءات المعمول بها.
القاضي: لكن هناك قانون الصفقات العمومية، لماذا لم تحترم بنوده؟
كعوان: الأمر لا يتعلق بالصفقات العمومية، بل بالمساحات الإشهارية سيادتكم، ونحن كما سبق وأن قلت لكم احترمنا جميع الإجراءات وعملنا من أجل مصلحة المؤسسة ذات الطابع الربحي، والمعاملة كانت على أساس “عملية تجارية محضة”، وعملية منح الإشهار تشبه إلى حد بعيد صفقة كرة القدم “شراء لاعب فاشل وانت تراهن عليه”، هكذا هو الأمر بالنسبة لنا، منحنا الإشهار لوسائل إعلامية فاشلة.
وأضاف المتهم “أحيطكم علما سيدتي الرئيسة، أنه قبل أن اتولى منصب المدير العام للوكالة وبحكم أنني كنت صحفيا في الأصل، كانت بعض الوسائل الإعلامية تحصل على نفس المساحة الإشهارية حتى بعد أن أصبحت مديرا”.
القاضي: وماذا عن الوقائع المتمثلة في إصدارك بصفتك الرئيس المدير العام السابق لوكال “أناب” تعليمة حل المديرية المركزية لمراجعة ومراقبة الحسابات، وتعويضها بهيئة تابعة وملحقة بمقر المديرية العامة، مما أدى إلى تقويض مبدأ الاستقلالية في عمل الرقابة الداخلية للوكالة والتحكم في رقابتها الداخلية؟
كعوان: التعليمة داخلية والغرض من حل هذه المصلحة وإلحاقها بالمديرية العامة هو تقوية عمل هذا الجهاز الرقابي وليس من أجل التحكم فيه، كما أننا نملك كل الحرية في العمل من دون ممارسة أي ضغوطات عليهم، لكنهم طلبوا ترقيات في المناصب بصفة غير رسمية و شفهيا، إلا أنني رفضت ذلك وهذا كل ما في الأمر.
القاضي: وبخصوص الاتفاقية المبرمة مع مؤسسة “ميترو الجزائر” من أجل اقتراح تسويق الفضاءات الإشهارية الخاصة بهذا الأخير من طرف وكالة أناب من دون دراسة عرضها، أليست تابعة لقانون الصفقات؟
كعوان: سيدتي الرئيسة، عندما تكون مؤسسة اقتصادية عمومية ذات طابع إداري وتجاري، فهي خاضعة لقانون خاص، ونحن كمؤسسة عمومية تعاملنا مع مؤسسة عمومية، ونحن فعلا وافقنا على العرض المقدم من طرف مؤسسة مترو الجزائر في ظرف يوم واحد وذلك لكون هذا العرض مهم جدا بالنسبة للوكالة نظرا لما يتوفر عليه مترو الجزائر من مساحات كبيرة يمكن أن تستغل في الإشهار.
القاضي: الصفقة تجاوزت الحد وعلى هذا الأساس تحصلتم عليها بالتراضي؟
كعوان: نعم، تحصلنا عليها بالتراضي، فقد كانت مؤسسة مترو الجزائر تمتلك 14 محطة وقتها ما جعلها بالنسبة لنا صفقة مهمة وعلى هذا الأساس شكلنا لجنة خاصة لدراسة الأمر.
القاضي: من شكّل اللجنة، ومن كان فيها؟
كعوان: اللجنة كانت مشكلة من إطارات مختصة على مستوى الوكالة وبالضبط على مستوى فرعها للاتصال والإشهار الذي كان يديره أنذاك “م.ع”، وتحت إشراف المدير المركزي للمالية “ا.م” وهذا لدراسة العرض من الناحية التقنية والتجارية، والشهادة لله فقد كانوا من أحسن الكوادر، وعملهم كان يشهد له الجميع، وانا بدوري كنت أقدم تحفيزات لأعضاء اللجنة نظرا لكفاءتهم العالية.
القاضي: هل اللجنة رفعت تحفظات في هذا الإطار؟
كعوان: المتحدث معكم سيدتي الرئيسة هو من رفع التحفظات وأكد أن صفقة المترو كانت ناجحة.
القاضي: ما هو نوع التحفظات؟
كعوان: كانت هناك تعليمة وجهت لمؤسسة “ميترو الجزائر”، والقاضية بضرورة التعامل مع المؤسسات العمومية فقط، وعن التحفظات التي وضعتها كانت شكلية فقط، اتذكر يومها أن الوكالة اعتبرت هذه الصفقة من أنجح الصفقات على الإطلاق منذ إنشاء الوكالة من الناحية المادية.
القاضي: كان هناك تفاوت ظاهر في منح حصص الإشهار؟ على اي اساس أو بالأحرى ما هي المعايير التي كانت تتم في توزيع المساحات الإعلانية؟
كعوان: هي عملية بسيطة، فالزبون يتقدم للوكالة ويقدم إعلانه وغالبا ما كان يشترط الصحف التي ينشر فيها إعلانه الإشهاري. فقد كنا نملك 400 صفحة اشهارية وكل شيء كان مدوّنا وموثقا، وإلا كيف نتحصل على المستحقات.
القاضي: وماذا عن الوقائع المتعلقة بشركة ” EURL INNOMEDIA ” لمالكها “بن منصور أحمد كريم” وتقدمه من مقر الوكالة وذلك بعد حصولها على صفقة “ميترو الجزائر” من أجل أن يتقاسم الصفقة من خلال جلبه الشركات المتعاقدة معه ونشر الإعلانات الإشهارية الخاصة بها بالمساحات الإشهارية الممنوحة للوكالة بالميترو؟
كعوان: سيدتي الرئيسة، تلقيت اتصالا هاتفيا سنة 2016 من بن منصور واحتج من استفادة إحدى الشركات من العديد من العقود الإشهارية مع فرع الاتصال والإشهار التابع للوكالة وأنه تعرض لـ”التهميش والحقرة”، وتم تفضيل هذه الشركة على حساب شركته، فقمت بالاتصال بمدير الفرع وطلبت منه استقباله وسماع انشغالاته واحتجاجاته.
وأردف الوزير الأسبق للاتصال قائلا “ماعدا هذه المكالمة، لم تكن لدي أي علاقة معه، ولم أتدخل لصالح شركته من أجل منحه صفقة مع فرع الاتصال والإشهار، وليس لدي أي دخل بخصوص حصوله على الصفقة”.
القاضي: وبخصوص واقعة كراء “فيلا” بالأبيار والتعليمات التي أعطيتها والقاضية بتجديد العقد رغم أنها لم تستغل من طرف المديرية العامة لمدة سنتين وتم تسديد مبالغ مالية كبيرة؟
كعوان: بعد بناء مقر لفرع البريد السريع ببلدية أولاد فايت وانتقالنا إليه، اتصل بي “ب.ع” و علمني بأن مكان تواجد الفرع في “الفيلا” مكان استراتيجي واقترح علي التجديد لمدة سنة لكون إيجارها ليس مرتفعا مقارنة بمثيلاتها بحكم موقعها، فطلب مني التصرف وفقا لما يراه مناسبا بصفته مديرا للفرع، الا انني غادرت قبل أن ينتهي الموضوع و”ربي شاهد” انه لم يكن لي دخل فيما حصل بعدها.
وفي هذا الأثناء يتدخل وكيل الجمهورية ويوجه أسئلة للوزير الأسبق للاتصال كعوان.
الوكيل: قلت في تصريحك أمام قاضي التحقيق انه لم تكن هناك محاباة في طريقة منح الإشهار، لكن لمست من خلال كلامك عكس ذلك، فقد اتصلت وقتها بالمتهم “م. ت” وابلغته أن يرفع قيمة الإشهار لجريدتي “البلاغ” و”البلاغ الرياضي”.
كعوان: الوكالة تحصد أرباحا تقدر نسبتها بـ30 بالمائة من الإشهار، و99 بالمائة من الجرائد المجهرية التي تحصلت على المساحات الإشهارية وكان سحبها ضئيلا، واعيد كلامي لا يوجد قانون يحدد طرق منح الاشهار. فقد كنا نمنح الإشهار للمؤسسات الإعلامية بعد التأكد من حصول الوسيلة على الاعتماد والمقر.
الوكيل: هناك جرائد تحصلت على الإشهار بالرغم من ضعف سحبها الذي لا يتعدى 3 آلاف عدد في اليوم وقلة انتشارها؟
كعوان: لا يوجد قانون ينظم الإشهار في الجزائر كما سبق وأن قلت لكم.
الوكيل يقاطعه ويحاصره بالسؤال التالي: التحقيق وصل أن بعض الجرائد تحصلت على زيادة في الحصص الإشهارية عن طريق مكالمات هاتفية؟
كعوان يصمت برهة ثم يرفع نظارته قائلا: “من هذا المنبر أقول لكم بالعامية “من نهار لي تخلقت وكالة أناب وهي تمشي بالتعلميات”، المهم أن الوكالة “رابحة”.
شيكر: سلطة ضبط الصحافة المكتوبة موجودة منذ 2012 ولكنها غير مفعّلة
القاضي ينتقل إلى استجواب الرئيس المدير العام للوكالة الوطنية للنشر والإشهار سابقا المتهم أمين شيكر.
القاضي: واجهتك المحكمة بالتهم المتابع فيها في ملف الحال، ما ردك وماذا كنت تشغل وقت الوقائع؟
المتهم: أنكرها تماما سيدتي الرئيس، وقد كنت أشغل وقت الوقائع منصب رئيس مدير عام للوكالة من شهر ماي 2018 إلى غاية شهر أفريل 2019.
القاضي: تحدث لنا عن الإشهار الذي كنت تمنحه للجرائد.. ما هي الإجراءات المتعامل بها في توزيع الحصص؟
المتهم: توزيع حصص الإشهار للجرائد لا تستند إلى نسبة مقروئيتها وإنما إلى طلب الزبون في حد ذاته، وقد واصلت العمل بنفس المنهج الذي كان المسؤولون السابقون يسيرون به، باعتبار أنها مؤسسة عمومية، كما يتم أخذ بعين الاعتبار طبيعة الزبون في توزيع هذه الحصص لاسيما إذا كان من الهيئات العمومية.
القاضي: ماذا كان دورك في الوكالة؟
المتهم: لم يكن لي اي دور باستثناء تقديم التعليمات لوحدة الإشهار.
القاضي: لم تجبن على سؤالي.. على اي اساس يتم توزيع الحصص الخاصة بالإشهار للجرائد؟
المتهم: لما توليت المنصب كمدير عام للوكالة، أعلنت بمجلس الإدارة أن زوجتي تملك أسهما في جريدة تدعى “Reporters” بنسبة80 بالمائة وبقيت تتحصل على نفس نسبة الإشهار من دون زيادة طيلة تلك الفترة.
القاضي: زوجتك كانت تتحصل على معاملات تفضيلية في “الريع الإشهاري”، زد على ذلك فهذا يدخل ضمن ما يعرف بتعارض المصالح؟
المتهم: لا سيدتي الرئيسة… زوجتي لم تستفد من أي معاملات تفضيلية، فكما سبق وأن أخبرتكم فإنه مباشرة بعد تنصيبي كرئيس مدير عام للوكالة قمت بإعلام مجلس الإدارة الخاص بالمؤسسة بملكية زوجتي للجريدة “LE Reporters” حتى لا يكون هناك تعارض للمصالح بين منصبي وبين نشاطها، وقد طلب مجلس الإدارة الرأي القانوني لمحامي الوكالة حول التعارض، وبناء على رأيه المتمثل في مواصلة التعامل مع الجريدة الخاصة بزوجتي تحت رقابة محافظ الحسابات، واصلت زوجتي في الحصول على حصصها، وليس هناك أي زيادة في الحصص لفائدتها خلال الفترة التي شغلت فيها منصبي، وإنما هناك زيادة في التسديدات لكافة الجرائد وليس الجريدة الخاصة بزوجتي فقط مما يوحي أن هناك زيادة في الحصص وهو في الحقيقة تسديد لمستحقات الجرائد التي كانت عالقة، كما يمكنكم الحصول على تقارير محافظ الحسابات الخاص بالوكالة المثبتة لصحة أقوالي.
القاضي: حسب الأمر بالإحالة، فقد تم تسجيل زيادات في التسديدات خلال فترة ترؤسك للوكالة… كيف تفسر ذلك؟
المتهم: نعم… فعلا، كانت هناك زيادات، لكن شملت جميع الجرائد.
القاضي تواجه الرئيس المدير العام للوكالة سابقا وأحصت جميع الجرائد بالعربية والفرنسية المجهرية، المؤقتة الصدور وغيرها بالأسماء، وقالت إنها تحصلت بعضها على حصص إشهارية وأخرى تم رفع صفحاتها لتصل إلى 4 صفحات كاملة بالرغم من عدم انتشارها وقلة مقروئيتها وانتشارها الضئيل وهلم جرا.. إلا أن المتهم أعطى تبريرات مختلفة ومتنوعة من دون أن يتمكن من إقناع هيئة المحكمة والرد على أسئلتها بطريقة مباشرة.
لكن وكيل الجمهورية يحاصره بطريقة ذكية حينما سأله قائلا “على أي أساس يتم توزيع حصص الإشهار على الجرائد”؟ ليلتفت المتهم صوب النيابة ويكتفي بالقول “على أساس توصيات أو تعليمات من السلطة التنفيذية وحسب الخط الافتتاحي للجرائد..!”
ويضيف المتهم “الخطأ هنا يكمن في أن سلطة ضبط الصحافة المكتوبة موجودة منذ سنة 2012، لكنها للأسف غير قائمة إلى يومنا هذا، والخلل لا نعرف أين يكمن؟”.
القاضي: وبخصوص فيلا الأبيار، ماذا تقول في هذا الشأن؟
المتهم: بخصوص الفيلا التي كانت معدة كمقر لمديرية البريد السريع التابع للوكالة، فقد قمت بأمر مديرة تسيير الوسائل بعدم تجديد عقد الإيجار المبرم بين مالك الفيلا ومديرية البريد السريع، لأنها بقيت إلى غاية مارس 2019 مغلقة بدون استغلال مما يمثل إهدارا لمال الشركة، وليس لدي أي دخل بخصوص استمرار دفع إيجار الفيلا من دون استغلال، كون أن المدير العام للبريد السريع “ب.ع” هو سيد القرار والمسؤول عن كل المعاملات المالية، ولم يتم تجديد عقد إيجار الفيلا بعد ما توليت منصب الرئيس المدير العام، كما انه خلال فترة رئاستي للوكالة لم يتم إبرام أو منح أي صفقة أو عقد مع متعامل عمومي أو خاص.
قرين: “أناب” كانت تحت سلطة شقيق بوتفليقة وليس وزارة الاتصال
ومن جهته، أكد الوزير الأسبق للاتصال حميد قرين، أمام هيئة محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، أن الوكالة الوطنية للنشر والإشهار كانت تخضع لأوامر مستشار الرئيس الأسبق لرئاسة الجمهورية السعيد بوتفليقة، وأعترف ضمنيا أن هذا الأخير هو الذي كان يقرر لمن يمنح الإشهار ولمن يرفعه ومن يقصيه ويحرمه منه.
القاضي: أنت متابع بجنحة إساءة استغلال الوظيفة على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، تعترف أم تنكر؟
قرين: أنكرها جملة وتفصيلا سيدتي الرئيس.
القاضي: ما هو المنصب الذي كنت تشغله أثناء وقائع الحال؟
قرين: كنت وزيرا للاتصال خلال الفترة الممتدة من سنة 2014 إلى غاية تقاعدي بتاريخ 25 ماي 2017، ولم أشغل أي منصب منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا.
القاضي: خلال توليك حقيبة وزارة الاتصال، كانت الوكالة تخضع للوصاية… والتحقيق كشف أنه في تلك الفترة، حيث كان كعوان جمال مديرا للوكالة، تم منح حصص إشهارية لعدد من الجرائد، كما تم إبرام العديد من الصفقات من دون احترام الإجراءات المعمول بها؟
قرين: سيدتي الرئيسة، أنا كنت وزيرا وكان منصبي سياسيا، والوكالة فعلا تخضع لوزارة الاتصال من كل النواحي، إلا أن الواقع السياسي الذي كان سائدا أنذاك لم يسمح بفرض السلطة الكاملة على هذه الوكالة، وهذا راجع لتدخل أشخاص من الرئاسة في قرارات الوزارة الوصية.
القاضي: بخصوص الصفقة المبرمة بين الوكالة ومؤسسة “ميترو” الجزائر، ماذا تقول عنها؟
قرين: ليس لدي أي علاقة بهذه الصفقة سيدتي القاضي، وتقرير المفتشية العامة للمالية أكد ذلك بخصوص صفقة “ميترو الجزائر” مع الوكالة.
القاضي: وماذا عن شركة “AD DISPLAY” التي تحصلت على صفقة استغلال المساحات الإشهارية المتواجدة بـ14 محطة لميترو الجزائر؟
قرين: أول مرة أسمع بهذه الشركة.
القاضي: بخصوص منح حصص إشهارية للجريدة المعنونة بـ”الصريح”، على أي أساس تم ذلك؟
قرين: سيدتي الرئيسة، بالنسبة لجريدة “الصريح” أنا اقترحت على الرئيس المدير العام للوكالة جمال كعوان من أجل منحها صفحة إشهارية واحدة، لكن كان هناك أمر آخر من مستشار الرئيس الأسبق سعيد بوتفليقة.. الجريدة ما زالت تصدر إلى يومنا هذا وما زالت تستفيد من الحصص الإشهارية، وأنا كنت قد طلبت من مدير “أناب” بشكل اختياري وليس إجباري.
واصل الوزير قرين تصريحاته قائلا “سيدتي الرئيسة، أنا عندي خبرة تفوق 30 سنة في الاتصال والإشهار، وكوزير دولة، فإن منصبي سياسي، توجيهي في الاقتصاد وفي الإدارة وفي السياسة لا غير”.
القاضي: الحصص الإشهارية كانت توزع بطريقة غير عادلة وتفضيلية؟
قرين: لا، سيدتي الرئيسة، أنا لا أتدخل في قرارات منح وتوزيع الإشهار، فأنا أقدم اقتراحات فقط والرئيس المدير العام لوكالة “أناب” هو من يقرر وهو حر في اختياراته وقراراته، وليس لي أي سلطة في اتخاذ القرار، ودوري يقتصر فقط في “الاقتراح والتوجيه”، كما اقترح على الرئيس المدير العام للوكالة وضع مخطط لمنح الحصص الإشهارية للجرائد، ويجب أن يتم تطبيقه والعمل به للكف عن التلاعبات التي تمس بسمعة ونزاهة الوكالة.
القاضي: وماذا عن منح الوكالة الحصة الكبيرة للجرائد الخاصة والديون المترتبة عن ذلك؟
قرين: “الوكالة في مكانها وأنا في مكاني بالوزارة، فأنا عندما توليت منصب وزير الاتصال، اكتشفت ديونا تتجاوز عتبة 200 مليار سنتيم، وهناك جرائد استفادت من الإشهار ولكنها لا تطبع أصلا، وعلى هذا الأساس أعطيت تعليمات طلبت فيها استرجاع الأموال، وفعلا تمكنا من تحصيل ما يربو عن 50 مليار سنتيم، كما أصدرت قرارا بتوقيف بعض الصحف ومنع نشرها وهذا راجع للديون المتراكمة وعدم تسديد المبالغ المستحقة للمطبعة الجزائرية.
المتهمون: طبقنا صحيح القانون واحترمنا جميع الإجراءات
ومن جهتهم، أنكر جميع المتهمين من فئة مسؤولي وإطارات الوكالة التهم الموجهة إليهم من طرف هيئة المحكمة، وقدم كل متهم توضيحات بخصوص الوقائع المتابع فيها.
وفي هذا السياق، أوضح المدير العام لفرع البريد السريع التابع للوكالة “ب. عمار” بخصوص واقعة “فيلا الأبيار” أن هذه الأخيرة كانت فعلا مقرا لمديرية البريد السريع سابقا، وأنها كانت، محل عقد إيجار مبرم بين المديرية والمالك منذ نشأتها، بمبلغ قدره يقدر بـ30 مليون سنتيم للشهر، لمدة سنة قابلة للتجديد، وفي بداية سنة 2017، تم تحويل مقر مديرية البريد السريع إلى المقر المملوك للوكالة، المتواجد بأولاد فايت، عن طريق إبرام عقد إيجار مع هذه الأخيرة مفاده استغلال العقار كمقر للفرع.
أما بخصوص بقاء كراء المقر السابق بالأبيار ساريا إلى غاية 2018، قال المتهم إنه قد كان بناء على أمر من الرئيس المدير العام للوكالة في تلك الفترة بهدف إنشاء مقر جديد للصحافة الإلكترونية، كما أنه تم تسليم مفاتيح الفيلا إلى “س.ح” بأمر من الرئيس المدير العام الجديد للوكالة شيكر أمين، والذي أبقاها مغلقة إلى غاية 2019.
وعلى نفس النهج، سار مدير فرع الاتصال والإشارات بالوكالة المتهم “م.شريف”، الذي أنكر جميع التهم الموجهة إليه من طرف المحكمة وأكد أنه تم تعيينه في هذا المنصب بتاريخ 2 فيفري 2016 من طرف الرئيس المدير العام ومجلس الإدارة للوكالة إلى غاية 2 ديسمبر 2021، وأنه حاليا لا يمارس أي عمل.
وقال المتهم إنه وفور توليه لمنصبه تفاجأ بركود تام بالوكالة وكان جل العمل يقتصر على الملصقات الإشهارية وفقط، حيث قام بوضع خطة من أجل النهوض بالشركة ومحاولة إنعاشها، من خلال قيامه بإحداث بعض التغييرات على الهيكل التنظيمي وإضافة خليتين هما خلية للرقمنة وأخرى للسمعي البصري وهذا من أجل مواكبة الفترة الزمنية التي لا تتطابق مع الهيكل التنظيمي الذي لم يتم تغييره منذ استحداث فرع الاتصال والإشارات في عام 2003.
وفي رده على سؤال القاضي بخصوص صفقة الاستغلال السياحي بشاطئ العقيد عباس، أشار المتهم أن الصفقة تتعلق بالبيع، ولقد قام بإبرام العديد من الصفقات منذ توليه منصب المدير العام لفرع الاتصال والإشارات تخص بيع مظلات وطاولات تحمل العلامة الإشهارية لشركة “جيزي”، وفعلا لقد تحصلوا على مبلغ مالي قدره 500 مليون سنتيم، حيث كان مبلغ اقتناء المظلات والطاولات حوالي 100 مليون فقط.
وشدد المتهم على أنه قام بإبرام الصفقة وفق القوانين الداخلية للشركة المعمول بها وتوجد فواتير تثبت ذلك وتمت المصادقة عليها من طرف مدير المحاسبة و المالية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس